تمنيات مُناهِضي السعودية لا تناسب أميركا

لا يعتقد المناهضون للمملكة العربية السعودية سواء من منطلق قومي، أو من منطلق إسلامي مذهبي، أنها قادرة على الذهاب إلى الآخر في اختلافها مع الأمم المتحدة، وهو عملياً اختلاف جدّي جداً مع الولايات المتحدة ورئيسها باراك أوباما على سياسته في الشرق الأوسط المتعلقة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والثورة الشعبية السورية ضد نظام الأسد والحوار مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فهي تفتقر في رأيهم إلى الدولة المؤسَّسة. وهي محكومة من عائلة قامت بانجازات داخلية وإسلامية وإقليمية مهمة، لكنها شاخت كثيراً قبل أن تبدأ تسليم أمانة الحكم والسلطة إلى الشباب فيها وفي المملكة عموماً، وتفسح أمامهم في مجال متابعة الرسالة على كل صعيد. ولا أحد يعرف حتى الآن إذا كانت العملية الإنتقالية المستمرة ستكون سلسة أو ستطلق صراعات أو على الأقل تنافسات على السلطة.
وفي أي حال يتمنى هؤلاء المناهضون للسعودية أن يتابع المسؤولون فيها من شيوخ ومخضرمين وشباب سياسة انتقاد الولايات المتحدة، وأن يحوِّلوها سياسة تحدٍ واستفزاز تجعلها مستعدة لاتخاذ خطوات أو لغضّ النظر عن خطوات تؤذي هذه الدولة العربية الإسلامية الكبيرة دوراً واستقراراً وحتى جغرافياً. كما تجعلها مستعدة للتساهل مع تحركات ضدَّها من داخلها ومن محيطها تشجِّعها إيران، وخصوصاً إذا استمر الحوار بينها وبين إدارة أوباما حول الملف النووي وقضايا خلافية أخرى، أو إذا تقدم خطوات جدية وثابتة وإن قليلة. والمقصود بذلك، يقول المناهضون أنفسهم، أن أي إجراء إقتصادي سعودي عقابي لأميركا قد يدفعها، وخصوصاً إذا كان مؤذياً، إلى تجاهل تحرّك الشيعة في المنطقة الشرقية حيث النفط بدفعٍ من أوضاعهم أو بدفعٍ من طهران ومساعدة وإن أدى الى وضع يدهم عليها. وطبعاً لن يكوِّن ذلك حقيقة جغرافية جديدة ثابتة، لكنه يهزّ المملكة ودولتها، ويُشرِّع أبواب الخليج وربما غيره أمام رياح التغيير التفتيتي أو التقسيمي. والمقصود بذلك أيضاً هو مبادرة إيران، وفي سياق الحرب المكشوفة بينها وبين السعودية، إلى زعزعة الإستقرار الأمني والسياسي السعوديين من خلال تحركات شعبية جدية في المنطقة الشرقية، كما من خلال دفع الوضع الأمني في البحرين إلى الإنفجار.
هل تمنيات المناهضين للسعودية في محلها؟
المتابعون الأميركيون والعرب للعلاقة السعودية – الأميركية وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وخصوصاً منذ اندلاع حرب “الإرهاب” المُسمّى “إسلامياً” قبل سنوات طويلة، لا يعتقدون ذلك رغم تلاقي واشنطن والرياض مصلحياً على ضرورة العمل معاً للتخلص من هذا الإرهاب بشقيه الشيعي والسنّي. فالمسؤولون الأميركيون لا يريدون أن “يضعوا في ظهرهم”، كما يقال، أي أن يُعادوا السنّة الذين يقارب عددهم 85 في المئة من مسلمي العالم باستهدافهم مع إيران الشيعية. إذ من شأن ذلك جعل السنّة في معظمهم بيئة حاضنة للإرهاب في المنطقة والعالم. بل يريدون أن يحاربوا هذا الإرهاب بالتعاون مع الدول السنّية الكبرى مثل تركيا غير العربية ومصر والسعودية وغيرها، ومع إيران الشيعية. وبذلك ينجح الجميع في محاصرة الإرهاب، ويسلكون الطريق الحقيقية لإنهاء ثورات “الربيع العربي” والحروب المذهبية والأهلية التي أطلقها والأخرى التي سيطلقها.
هل يتحقق ذلك؟
لا يمكن الجزم بهذا الأمر، يجيب المتابعون أنفسهم. لكن محاولة تحقيقه ستستمر أو بالأحرى ستبدأ. وقد يكون من الأفضل أن تباشر واشنطن التفاهم على الحدود المبدئية أو الملامح المبدئية للأدوار في المنطقة وخصوصاً للدورين السعودي والإيراني. فالنظام الإسلامي الإيراني يريد حلحلة مع السعودية، لكن شروطها صعبة التحقيق في رأيه. فهي مثلاً تريد دوراً في العراق. وهو لا يقبل ذلك. علماً أن الولايات المتحدة تريد من إيران، استناداً إلى المعلومات المتوافرة لهؤلاء، دوراً جدياً وقوياً في العراق، لأن مكافحة الإرهاب فيه وتهدئته تتطلَّبان عملاً سريعاً لا تستطيع المملكة القيام به. والدور السعودي المفيد جداً يكون في دول مجلس التعاون الخليجي. أما المناطق التي يتصارع عليها أصحاب الدورين أي قلب المنطقة العربية وتحديداً سوريا ولبنان فتكون من حصة “التحالف”، إذا جازت تسميته، كذلك الذي يفترض أن يقوم ضد الإرهاب بين أميركا والسعودية ومصر وتركيا وإيران. طبعاً لا يمكن إغفال دور إسرائيل على هذا الصعيد. لكن المملكة وإيران لن تكونا شريكتين رسميتين فيه. ولا بد أن تقتصر هذه الشراكة على حليفتها أميركا وعلى مصر وتركيا المتصالحتين معها.

السابق
انتخابات AUB: تسعير المذهبية.. والعلمانيون طائفة جديدة
التالي
إسرائيل تتهم منظمات فلسطينية باللاسامية