الخاصرة السنية الرخوة لايران

لم تعد الجمهورية الاسلامية في ايران تخاف من الحرب ، فقد تجاوزت مرحلة ٢٠٠٣، عندما كانت طبول الحرب “البوشية” تقرع ، ونجح المفاوض حسن روحاني في فكفكة القنبلة الموقوته بعد ان اقنع المرشد اية الله علي خامنئي بالصيغة الدبلوماسية والسياسية بحل مشكلة التخصيب النووي التي صاغها بصفته كبير المفاوضين . لكن القلق الإيراني من “الحرب الناعمة”ومن “حرب الظلال ” مستمر وهو يتعمق يوما بعد يوم ، فهي تهدأ هنا لتشتعل هناك . واذا كانت الثانية محدودة ومحددة الاهداف والتي من ابرزها “اصطياد” العلماء الإيرانيين العاملين في الحقل النووي ، فان الاولى خطيرة جداً فهي واسعة وتستهدف وحدة ايران وامنها القومي .

هجوم منظمة تطلق على نفسها ” جيش العدل” ،في المنطقة الحدودية مع باكستان عند سيستان- بلوشستان، والذي أدى الى سقوط ١٤ قتيلا وخمسة جرحى وثلاثة مختطفين من “الحرس الثوري “الى داخل باكستان ،اثار المزيد من القلق لانه سبق وان وجه الأمن الإيراني ضربة قاسية جداً لتنظيم ” جند الله” بعد القبض على زعيمه عبد الملك ريغي وإعدامه فور نقله الى داخل ايران. ولادة هذا التنظيم الجديد اكد ان القضاء على تنظيم لا يعني نهاية المشكلة ، ويؤكد ان أسبابها عميقة ومتشعبة لذلك يسهل قذف الزيت على النار .

تستهدف “الحرب الناعمة” ، ضرب ” البوابات ” العرقية والقومية والمذهبية لإيران . القومية الفارسية هي ” عمود” ايران . لكن الى جانبها خمس قوميات يصل عدد المنتمين لها أكثر من ٤٠ بالمئة ، وهم يتوزعون على : الأكراد والعرب والآذريين والتركمان والبلوش ، وتنتشر تجمعاتهم السكانية على الحزام الجغرافي الإيراني ويجعلهم ممسكين ب “البوابات “الخمس للبلاد.”البوابة” الكردية ليست هادئة ولكنها تبدو مضبوطة بالتعاون مع تركيا . “البوابة” البلوشية هي الأخطر والتي توقظ انفجاراتها ، كل انواع الإخطار خصوصا من حيث توقيتها ومضمون خطابهاالمرتكز على المذهبية باعتبار انهم من السنة . مشكلة ايران مع هذه الحرب ان أسبابها الذاتية متوافرة بقوة ، والاستعدادات الخارجية لصب الزيت على النار عديدة وغنية وتملك الاسباب الكافية واللازمة لتنفيذها .

كل عرقية من العرقيات الخمس ، تملك مشروعها للانفصال والانضمام الى “إخوتهم ” من اجل تشكيل ما يعرف ب ” بلوشستان الكبرى ” التي تضم بلوش باكستان وأفغانستان وإيران . أيضاً “أذربيجان الكبرى” ،و”تركمنستان الكبرى، ” وكردستان”، والعرب من الأحواز . الى جانب هذا التنوع القومي النامي ولكن المنضوي تحت “السقف الفارسي” رغم طموحات بعض تشكيلاته بالانفصال والانضمام الى مشروع قومي مختلف ، تصاعد مؤخراً العامل المذهبي السني وهو الأخطر لانه عابر للجغرافيا الداخلية وموحد بين تنوعاتها خصوصا وانه الغالب بعكس انتشار المذهب الشيعي لدى الفرس ، وهو يحل في وقت تنمو فيه الخلافات السنية -الشيعية الى درجة تبلور خوف حقيقي من وقوع حروب أهلية على مساحة خريطة الشرق الاوسط كلها . وما يعزز تصاعد منسوب هذه الإخطار الحرب ضد الثورة في سوريا التي تعززت مذهبيا في تدخل حزب الله والميلشيات العراقية والباكستانية وغيرها .

النار السورية تصاعدت لهبها في بيان عملية ” جيش العدل” ، إذ جاء انها وقعت ” رداعلى مذبحة في سوريا ” .، ولم يحدد البيان اي مذبحة ولا تاريخها . بعيد عن الدافع الجديد ، فان لدى السنة خصوصا في بلوشستان دعاوى واتهامات للنظام تتعلق بحرمانهم من حق المشاركة في السلطة الى درجة انه يمنع عليهم تسلم اي موقع في السلطة من فوق الى تحت . مثل واحد يكفي منذ الثورة لم يعين اي سني وزيرا ولا سفيرا ولا محافظا . وتختلف ارلؤية لدى القوى الحاكمة في ايران في معالجة المشكلة السنية ، وهي تنقسم الى خطين متوازيين :

* الحل السياسي والتنموي وقد تكلم عنه الشيخ هاشمي رفسنجاني بصراحة إذ قال لدى استقباله وفدا من البلوش السنة يرأسه رئيس اتحاد المعاهد الشرعية في محافظة سيستان- بلوشستان الشيخ عبد الحميد اسماعيل الزهني ” يجب الاستجابة للمطالب الوطنية ” ، وذلك بعدما عرض الشيخ عبد الحميد أوضاع السنة عامة في البلاد وخصوصا في بلوشستان . وكان التوجه لدى الرئيس حسن روحاني تعيين سني لوزارة الرياضة والشباب لكنه كما يبدو لم ينجح .
* الحل الأمني ويرى دعاته وجوب رفع عدد عناصر حرس الحدود ومواجهة القوة بالقوة ، ولدعم هذا التوجه جرى اعدام ١٦ “إرهابي ” ومطالبة باكستان اما ملاحقة ” الإرهابيين”والقبض عليهم وتسليمهم للأمن الإيراني او ترك هذا الأمن يلاحقهم داخل باكستان .
لم يعد ممكنا تأجيل الحل الذي لا يمكن مهما بلغت حدة المواجهة الا اعتماد الحل السياسي والتنموي خصوصا وان ما جرى يقع فيما اصبح يشكل ” الخاصرة” السنية الرخوة لإيران .

السابق
ثورة «الميدان» بين السخاء والتسامح الأميركي
التالي
«المؤتمر المسيحي»: لتحييد لبنان إلّا عن الممانعة