ملف النفط وسرقة الأجيال

الوزير السابق ابراهيم شمس الدين

ما كان ينبغي لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء الموافقة على إقرار هيئة قطاع النفط.  وننصح بشدة ألا يرضخا الى ضغوطات لإجراء مناقصات التلزيم بتسرع. وكان من الافضل للبنانيين وللبنان ان يبقى هذا الملف، ان تبقى هذه الثروة، محفوظة لزمن لاحق ليس بالضرورة بعيدا، لكن قطعاً الى ما بعد الانتخابات النيابية اللبنانية، وغالباً الى ما بعد وضوح الوضع  في سوريا.

 النفط ثروة وطنية “جاهزة” للحيازة وللاستيلاء. من ينوي الاستيلاء عليها، قرصنتها، لا يحتاج الى أن يمسكها بيده او ان يخفيها في بيته او ان يصادرها الى مستودعه،  بل هو يبيعها “في ارضها”، بأن يُمكّن آخرين منها حيث هي، وهو جالس في مكتبه او في قصره.

 زعماء السياسة الحاليون ليسوا محل ثقة ابداً ليتولوا أمانة للأجيال. نحن لا نأتمنهم على حاضرنا بعدما رأينا ماذا فعلوا به وبماضينا القريب والبعيد، وهم يتلفون ويفسدون بعض ما بقي من مستقبل الأجيال الآتية، ويسرقون ما هو ملك جيل المستقبل، بعدما نهبوا ما هو حقّ لنا في دولة الحاضر، في دولتنا الآن، التي لم يُبقوا الا على هيكلها ليغطوا بشرعيتها آثامهم.

لم يعد في الدولة مالٌ كافٍ ليُسرق، وسرقة ما تبقى من الموجود يثير فضيحة وربما “انقلاباً”. أتى النفط جواباً سحرياً لفسادهم وطمعهم، وهم لا يحتاجون لانتظار استخراجه حتى يسرقوه. هو يسرق الآن، ويباع الآن عقوداً وصفقات وتتألف من اجله “الكُبانيات” وتعقد الشراكات والتحالفات.

 أخشى ما أخشاه ان اللبنانيين لن يجنوا من نفطهم سوى العمالة في استخراجه، أجرة الجهد اليومي المنهك، بينما تذهب الأرباح الكبرى ليس الى صندوق استثمار الأجيال، بل الى بطون الزعماء، زعماء الطوائف والأحزاب وكثير من السياسيين وأولادهم وزوجاتهم (بالمفرد والمثنّى).

 ما علاقة “الزعيم العظيم” بالنفط حتى يذهب شخصياً ليفاوض في قبرص كأنّ الملف ملك شخصي له؟ ولماذا بقي على مدار اشهر يلمح ويصرح الى انه سيعقد جلسة محاسبة للحكومة اذا لم تقرّ المراسيم المطلوبة؟ كان قبل كل جلسة حكومية بأيام يبعث الرسائل العلنية والمكتومة الى رئيس الحكومة مفادها أنّه لم يعد يستطيع الانتظار. وهو الآن يريد تلزيم المربعات العشرة دفعة واحدة حتى لا يبقى لأحد من بعده شيئا. وكأنّه يريد تحرير ارض لبنان وبحر لبنان (هو استعمل مرة تعبير “بحر الجنوب”!) من النفط.  هذا غير التوتر للتقاسم مع حليف حليفه الآتي الجديد إلى الثروة الموجودة فوق الارض وتحت الارض. هذا الحليف الجديد يبقى، رغم أمور كثيرة، أوضح وأنظف من الزعيم العظيم الذي لا يفنى ولا يموت ككبار طغاة التاريخ، حتى يفنى الوطن ويموت الجميع. و”الحزب العظيم” ساكت وراضٍ عن محاصصة حلفائه ويرعاها (بلا شك فهو الذي يقسم الأرزاق والأدوار أيضاً!)، ولا يأبه للاستيلاء على المال العام (وهو الحريص على ان يكون المال طاهراً وشريفاً!).

 في القرآن، في سورة الكهف، الآية ٧٧ و٨٢، قصة مطابقة في مغزاها لملف النفط عندنا ولكونه ثروة يجب ان تُحفظ من قبل الحكماء والمسؤولين الصالحين، للأجيال الآتية، كما انها يجب ان تُحرَس من تسلط الأقوياء الذين يمنعون الخير (عدم إطعام الجائع وطرد أو صدّ الضيوف)، والذين يتمكنون من مصادرة أموال الغير من المستضعفين (الاشارة الى الأيتام) او المواطنين العاديين، وهم اصحاب الحق، لكن لا حماية لهم ولا حارس لهم (الدولة الضعيفة في حالنا الحاضر). الاشارة في الآية الى وفاة الاب، وهو عادة الحامي والحارس. و الكنز هو النفط، يبقى محمياً مستوراً حتى يتمكن الشعب من ان يملك القرار في مصيره عبر انتخابات صحيحة يختار فيها من يثق فيهم (في الآية الاشارة بتعبير: “ان يبلغا اشدهما”).

 “فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ (موسى للخضر) لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ( آية ٧٧)

 (هنا الخضر يشرح للنبي موسى): وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا( آية ٨٢).

الشخصان المعنيان في الآيتين هما النبي موسى والخضر، وهو احد الصالحين الذين اصطفاهم الله  وقد صاحبه النبي موسى حتى يتعلم منه. ويقال ان الكنيسة الأرثوذوكسية  تعتقد ان الخضر هو الاسم العربي للقديس جاورجيوس، جاورجيوس الحي.

 

السابق
رفعت عيد: سنتقدم بطلب رسمي للقيام بمسيرة سلمية من جبل محسن لساحة النور
التالي
صقر يصدر مذكرة بحث عن علي عيد