الجنس يضطرب باعتلال الجسد والنفس معاً

تتأثر الحياة الجنسيّة للإنسان إلى حدّ بعيد بما يعانيه من ضغوط وانفعالات، ما يجعل التوتر والقلق عاملين أساسيّين في ظهور الاضطرابات الجنسيّة، خصوصاً عندما يضاف إليهما اعتلالات الجسد وأمراضه. حول هذا المفهوم، استضافت القاهرة أخيراً ندوة لمناقشة الاضطرابات الجنسيّة وتأثّرها بالجانبين الجسدي والنفسي.
وذكر الدكتور سعيد عبدالعظيم، رئيس قسم الصحة الجنسيّة في «الجمعية العالمية للطب النفسي» World Psychiatry Association، أن الدماغ هو أهم عضو جنسيّ في جسم الإنسان «لأنه القائد لجميع الأعضاء في العملية الجنسيّة. وعلى رغم أن الهرمونات لها دور ضخم في التفاعلات البيولوجية، تبقى الكلمة العليا للدماغ. والبرهان على ذلك أن الإنسان ربما تعرض للإثارة، لكنها إن لم تولّد لديه الرغبة لا تستجيب أعضاؤه الجنسيّة، كعدم حدوث انتصاب لدى الذكور». وأضاف عبدالعظيم أن الجوانب النفسيّة إما أن تزيد الرغبة لدى الإنسان أو تمنع وجودها، مُشيراً إلى أن القلق يصيب 30 في المئة من أفراد المجتمع، كما أن العلاقات الحميمة تحتاج إلى الطمأنينة قبل أي شيء آخر.

هرمون مشترك
وأوضح أن الدماغ يضمّ منطقة هلاليّة الشكل تشمل مراكز متخصّصة بالعملية الجنسيّة. وتستقبل الحواس الخمس المؤثّرات الخارجيّة وتوصلها إلى هذه المراكز التي تتولى إثارة الرغبة وتهيئ للعملية الجنسيّة. ولفت عبدالعظيم إلى أن الغدد الصماء تؤدي أدواراً مهمة في العملية الجنسيّة، لأنها مسؤولة عن إفراز هرمون الـ «تيستيستيرون» Testosterone، وهو هرمون الذكورة المسؤول عن الرغبة الجنسيّة لدى الرجل والمرأة، لكنه يفرز لديهما بنسب متفاوتة، فيكون عند الرجل أكثر بكثير من المرأة. وأشار إلى إن الاكتئاب مرض نفسي واسع الانتشار، وهو يؤثر في الرغبة الجنسيّة، على غرار تأثيره في رغبات أساسيّة كثيرة كالطعام والنوم. ويترافق الاكتئاب مع شعور بالحزن الشديد، وقلّما تجتمع الرغبة الجنسيّة والاكتئاب. ولم يقلّل عبدالعظيم من تأثير الأسباب العضوية على الجنس، مُشيراً إلى أن أهميّتها تزيد مع التقدّم في العمر، خصوصاً بعد سن الأربعين مع ملاحظة أن القدرة الجنسيّة تنخفض إلى النصف مع بلوغ سن الخمسين.
في سياق مماثل، أوضح الدكتور طارق أنيس، رئيس «الجمعية العربيّة للصحة الجنسيّة»، أن ضعف الانتصاب عارِض مرضي يتمثل في عدم القدرة على الانتصاب أو صعوبة الحفاظ عليه أو عدم إمكان تكراره، ما يؤثّر على المعاشرة الزوجيّة ويجعلها غير مرضية لطرفيها.
وأوضح أن المُعدّلات العالميّة لاضطرابات الانتصاب بين الرجال من مختلف الأعمار تصل إلى 18.6 في المئة، بمعنى أن واحداً من خمسة رجال تقريباً يعاني ضعفاً في الانتصاب، بينما ترتفع هذه النسبة بين الرجال فوق سن الأربعين إلى ٥٢ في المئة. وعلى رغم أن ضعف الانتصاب عارض يعاني منه الرجال المُسنّون في المقام الأول، إلا أن كثيراً من الدراسات أثبتت أن قرابة ثلث المتقدّمين للحصول على المساعدة الطبيّة بسبب ضعف الانتصاب، هم رجال دون سن الأربعين! وعلى رغم عدم توافر إحصاءات عن نسب الإصابة بضعف الانتصاب بين المصريين، فإن هناك مؤشرات تنبئ بزيادة هذه الإصابة بينهم عن معدّلاتها عالميّاً.

دور الدورة الدمويّة
وأوضح أنيس أن هناك أسباباً عدة تؤدي إلى ضعف الانتصاب، عبر التسبّب في خلل وظيفي للطبقة الداخلية الرقيقة التي تبطّن الشرايين والفراغات الدموية في الجسم الكهفي وهو المُكوّن الأساسي للقضيب. وبيّن أن هذه الطبقة مسؤولة عن إفراز «أكسيد النيتريك» الذي يُطلِق سلسلة تفاعلات كيماويّة تنتهي بزيادة تدفّق الدم إلى القضيب مع حدوث الانتصاب الذي يعتبر أمراً أساسيّاً في إتمام العملية الجنسيّة.
وأشار أنيس إلى أن أسباب الإصابة باضطرابات الانتصاب هي نفسها أسباب الإصابة بقصور الدورة الدمويّة في الجسم عموماً، بمعنى أنها تشبه نقص تدفق الدم في الشرايين التاجيّة التي تُغذي عضلة القلب، أو تلك التي تُغذي الدماغ. وبقول آخر، هناك تقاطع بين أسباب ضعف الانتصاب وتلك التي تؤدي إلى جلطات القلب أو سكتات الدماغ.
وكشف أنيس أن علاج ضعف الانتصاب يعتمد في المقام الأول على علاج الأمراض المزمنة التي تؤدي إلى ضعف الانتصاب. ويأتي في مقدمة طرق العلاج، تعديل نمط الحياة غير الصحي كالإقلاع عن التدخين وعدم إدمان المواد المُخدّرة والكحوليّات ومواد الكيف، إضافة إلى التشديد على ممارسة الرياضة، والتخلّص من الوزن الزائد، والبُعد عن الضغوط النفسيّة، وتناول الأطعمة الصحيّة، والبعد عن المآكل التي تؤدي إلى السمنة وزيادة الدهون في الدم. ولم يتردد أنيس في النصح باستبدال الأدوية التي تؤثر في الانتصاب بأخرى أقل ضرراً. وأشار إلى وجود أدوية حديثة تعتبر طفرة حقيقية في وسائل علاج الضعف الجنسيّ وتحسين نوعية الحياة، إذ وفّرت علاجاً فعّالاً وآمِناً وسهلاً، لأنه يؤخذ من طريق الفم عند وجود حاجة إليه.
وأوضح أن عقارات علاج الضعف الجنسيّ على غرار الـ «فياغرا»، تؤدي دوراً مهمّاً من الناحيتين الطبيّة والاقتصاديّة، إذ تتيح علاج حالات ضعف الانتصاب، حتى عندما تكون شديدة كتلك التي يعاني منها الرجال المتقدمون في السن ومرضى السكري والمرضى الذين تعرضوا لعمليّة إزالة البروستات وغيرهم.
وفي المؤتمر ذاته، أوضح الدكتور ايمانويل جانيني، وهو بروفسور الصحة الجنسيّة والغدد الصُم في جامعة «لاكيلا» في إيطاليا، أن الدراسات الحديثة أثبتت أن عقارات الضعف الجنسيّ تُحسّن المريض من الناحيتين الشخصيّة والطبيّة، بالترافق مع تحسّن الدورة الدموية وتدفق الدم في العضو الذكري، إضافة الى كونها آمنة ويستطيع المرضى تحمّل آثارها الجانبيّة.
وبيّن جانيني أن هذه الدراسات لم تعتمد على الانتصاب مؤشّراً وحيداً في التقويم، بل عمدت أيضاً إلى قياس تدفق الدم في الشرايين وخروجه عبر الأوردة، باستخدام جهاز قياس الموجات الصوتيّة (دوبلر). وأشار جانيني إلى زيادة أعداد المصابين بأمراض السكري وارتفاع الكوليسترول وضغط الدم، فيما تمثّل المنشطات الجنسيّة علاجاً لمجموعة من الأعراض التي يعانيها المرضى، ومنها ضعف الانتصاب. ولفت جانيني أيضاً إلى بحث أجرته «الجمعية الأميركيّة لأمراض القلب» تضمّن إعطاء فياغرا لمرضى القلب ممن يعانون مرض السكري. وأوضح أن البحث رصد حدوث تحسّن كبير في حال الشرايين لديهم، بمعنى وجود رابط إيجابي بين الفياغرا وشرايين القلب في مرض السكري.

السابق
الفصل والربط بين جنيف – 2 والنووي الإيراني
التالي
مصادر مواكبة لـ “الراي”: التعويم الحكومي سيرتب اثماناً باهظة على المستفيدين