استبدال “الشيطان الأكبر” بالتكفيريين

* إيران أصبحت قوية كما لم تكن لأنّها موجودة من سوريا إلى افغانستان
* المصالحة مع واشنطن تفرض تغيير المسارات والوسائل

أسعد حيدر
انتهى زمن المواجهة مع “الشيطان الأكبر”. بدأ زمن الحرب ضدّ “الإرهاب”. نوري المالكي رئيس الوزراء قال في واشنطن: “نريدها حرباً دولية على الإرهاب..” هذه الدعوة إلى “حرب عالمية ثالثة”، مفتاحها في تشكيل “جبهة عريضة”، من قوى كانت حتى فتح مسار المصالحة بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران، تقف متواجهة فيما بينها وعلى ضفّتين، الكلمة الطيّبة من أي جهة، خيانة.
رغم الاعتراف الواضح والصريح بأنّ “الميدان هو الذي يفرض معادلاته”، ورغم انّ الجميع يعرفون جيداً أنّ الحرب في سوريا، تمر في مرحلة “توزيع الخسائر” وأنّها ما زالت في بداياتها ولم تكتمل حتى يمكن الحديث عن عقد “جنيف-2″، فكيف بجنيف – الحل على طريقة “الطائف”. فإنّ أطرافاً كانت تقف في جبهة الحرب ضدّ “الشيطان الأكبر”، تؤكّد انّ تأثير سوريا على محيطها، خصوصاً في العراق ملموس، وأنّ المتغيّر الكبير الذي يفرض معادلات جديدة في المنطقة على التحالفات الدولية – الاقليمية هو صعود “القاعدة” تحت مسميات مختلفة أهمّها “داعش” و”النصرة”.
“شجرة” “الحرب الدولية ضدّ الإرهاب” تخفي “غابة” صناعة الانتصار في سوريا. عنوان هذا الانتصار المستحيل عسكرياً، المحافظة على النظام الأسدي وفتح الباب على مصراعيه، وبقبول وترهيب دولي لاستمرار الأسد عبر انتخابات رئاسية “نزيهة”، علماً أنّه مهما كانت نوايا النزاهة فيها ضخمة، فإنّها لن تكون أكثر من بالون قابل للانفجار عند إعلان النتائج. ما يساهم في تقديم أوراق اعتماد الأسد للمشاركة في هذه الحرب الخبرات والمعلومات والعلاقات والممارسات الدموية التي لا تعرف حدوداً والتي عمّقها في الحرب المفتوحة ضدّ الشعب السوري. وإذا تعقدت المفاوضات وصعبت الحلول، فإنّ المهم بقاء “جبل الجليد” وإن تمّ التخلي عن “رأسه” الطافي فوق الماء.
هذا المتغيّر ليس كافياً لكل التحوّلات التي حصلت والتي ستستمر حتى تنضج على “نارها”، الخريطة الجديدة للشرق الأوسط. المتغيّر الكبير والحقيقي كما يرى مصدر عربي فاعل ومطلع هو: “صعود إيران بحيث أصبحت في موقع القوي وأنّ صعودها جعلها اليوم أقوى ممّا وصلت إليه في كل تاريخها الطويل. إيران موجودة بقوّة من افغانستان (الهزارة الشيعة وشبكة علاقات واسعة مع الأطراف الأخرى في وقت تستعد فيه القوات الأميركية للانسحاب) إلى سوريا. ولذلك كله إذا كانت إيران بحاجة لواشنطن “للاعتراف بدورها الاقليمي”، فإنّ الأخيرة بحاجة إلى طهران للمساهمة في حل الملفات المشتعلة كما في سوريا وافغانستان، والأخرى التي يرقص فيها القرار والسلم الأهلي فوق صفيح ساخن جداً”.
يتابع المصدر المطلع والفاعل: “العراق حيث إيران موجودة بوجود الشيعة الذين أمسكوا بمفاصل السلطة والقرار. إيران هذه لم تعد تخاف أو تقلق من بغداد وفيمَن يحكمها. طوال أربعة قرون وقعت 24 حرب صغيرة وكبيرة عراقية – إيرانية. الآن ضمنت إيران حدودها وهدوءها من جانب العراق لأربعة قرون قادمة”.
إيران وحدها لم تكن لتكون قويّة إلى هذه الدرجة لو لم تصبح “الحاضنة” أو كما يقول المصدر “الأخ الأكبر” للشيعة في منطقة الشرق الأوسط الكبير. إيران أعطت للشيعة الذين التحقوا بها “القوة”. لكن الواضح أنّها أخذت منهم أكثر وهي تتابع استثمار حضورها بقوّة على طاولة المفاوضات مع الأميركيين. كل الملفات التي تستقوي بها بفعل هذا الوجود الشيعي الذي كان من السهل لها التغلغل فيه وتثبيت مواقعها فيه سواء بخطابها المذهبي – السياسي أو بالمال والسلاح من افغانستان إلى سوريا ولبنان مروراً باليمن حيث أصبح “الحوثيون” أقوياء جداً وبقوّة “حزب الله” في لبنان. لقد عرفت إيران كيف تستثمر ما لا تملكه في وجه مَن يملكون ولم يعرفوا كيف يتعاملون معه.
هذا المنسوب من الاستقواء غير المسبوق لإيران، تكمن في حيثياته الكثير من الوقائع، لكن في مرحلة مفاوضات مع طرف هو الأقوى أي الولايات المتحدة الأميركية، وفي حالة مثل الحالة الإيرانية حيث هي التي تطلب الاعتراف بدورها، لا يمكنها إلاّ أن تقدّم تنازلات حقيقية وفعلية. أولى هذه التنازلات تغيير نهجها بنسبة 180 درجة من افغانستان إلى سوريا مروراً بلبنان. لا يهم أن يبقى الخطاب، الأهم المسارات ووسائل تنفيذها. مجرّد قبول طهران بذلك، يعني أنّ شرق أوسطي جديد قد وُلد لا مكان فيه مثلاً للجنرال قاسم سليماني.

[email protected]

السابق
السنيورة: الحل لتشكيل الحكومة انسحاب حزب الله من سوريا
التالي
مواسم هجاء المثقف