الدولة والمقاومة: سقوط المشروعين

لبنان
ما طبع المرحلة الأخيرة من الصراع الداخلي اللبناني كان بين 8 و14 آذار هو صراع بين مشروعي "الدولة" و"المقاومة". سقطت 14 آذار حين دخلت السلطة و"حاصصت" بدل بناء "الدولة"، وسقطت "المقاومة" في سوريا حين بايعت مخرز الأسد ضدّ عين الشعب.

ما طبع المرحلة الأخيرة من الصراع الداخلي اللبناني كان بين 8 و14 آذار هو صراع بين مشروعي “الدولة” و”المقاومة”. وكان تشديد قادة “تيار المستقبل” وحلفائه في 14 آذار واضح في أنّه لا يمكن أن تبنى دولة في ظل سلاح أقوى من سلاح الجيش اللبناني، اي سلاح المقاومة. هذا لأنّه يملي على اللبنانيين إرادته السياسية ويجعل لبنان تابعا خارجيا لمحور إيران – سوريا دون الأخذ بالاعتبار مصلحة لبنان أو إرادة أبنائه.

في المقابل كان منطق حزب الله والمتحالفين معه من 8 آذار يقول إنّ لبنان لا يمكن أن يكون دون مقاومة. تلك التي يجب أن تظل جاهزة بسلاحها وعتادها لمواجهة إسرائيل. ويشدّد حزب الله على أهميّة المعادلة الذهبيّة التي تضمن له الهيمنه على الساحة السياسية اللبنانيّة، بغضّ النظر عن نتيجة أي استحقاق نيابي أو رئاسي، وهي معادلة: الجيش والشعب والمقاومة.

اليوم نشهد سقوط الدولة المريع، بمؤسساتها كلها، حيث بدأ الإهتراء يضرب ما تبقّى منها، بعدما أصاب معظمها التفسّخ والإنحلال، فيما هيبة المؤسسات الأمنية والعسكريّة في الدرك الأسفل، وذلك مع وصول الأمر بالمحاصصة الطائفيّة الى تقاسمها وتحويلها إلى مؤسسات تابعة، همّها أمن الطائفة هذه أو تلك، لا أمن الدّولة ومواطنيها بلا تمييز، كما في دول أخرى.

إستنزف “استقلاليو” 14 آذار الدّولة بسبب قيادتهم السياسة والاقتصاديّة لمرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وفوزهم في انتخابات 2005 النيابيّة وحيازتهم على الأكثريّة حتى ما بعد انتخابات 2009. فقد راح ممثلو 14 آذار ينسخون المحاصصة ويعيدون ترقيع الدولة بتقاسم المصالح والغنائم وتوزيع المناصب على مناصريهم في إدارات الدولة، تاركين الطرف الآخر يحذو حذوهم ويكمل ما بدأ في 1990. فالتفّ حبل الفساد حول اعناق الجميع حتى بلغ هذه الأيام الذروة. بينما بدأت اسرائيل بتصدير غازها من الحقول البحريّة المشتركة مع لبنان، تجد الخلاف هنا حول ملف النفط مستعرا بين رئيس المجلس نبيه بري ووزرائه من جهة، ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون وصهره وزير الطاقة من جهة ثانية، والخلاف كالعادة حول التلزيمات والسمسرات وما يرافق المشاريع في لبنان عادة من فساد وهدر.

وكما الدّولة، كذلك المقاومة، إذ أن حزب الله بالغ في استغلال ما حققته تلك المقاومة من انتصارات ضد إسرائيل. وبعد تحرير الجنوب العام 2000 وانتهاء مهمة المقاومة رفض القاء سلاحه ومشاركة اللبنانيين في بناء دولة قويّة حديثة وجامعة. بل اختار ان يبقي على المقاومة ليحوّلها الى مشروعه الخاص، يدافع به عن نفسه، يؤمن به مصلحة طائفته، ويقاتل به وبها (الطائفة) دفاعا عن محور الممانعة الذي يضمه وإيران وسوريا.

اليوم، وبعد تورّطه في الحرب ضدّ الثورة السوريّة مدافعا عن نظام الأسد الديكتاتوري، ناعيا من يسقط من عناصره باسم “المقاومة الإسلاميّة”، فإنّ سمعة هذه “المقاومة” سرعان ما سقطت بفعل هذا الإمتهان الصريح لاسمها: فكيف تسمّى مقاومة وهي كفّت عن قتال اسرائيل منذ عام 2006 و تقاتل الآن الشعب السوري بكل ضراوة متسبّبة بمقتل الآلاف من مواطنيه من أجل إعانة نظام بشار الأسد ومساعدته للبقاء حاكما مسلّطا على هذا الشّعب؟

لقد سقطت المقاومة من حيث الشكل، لأنها باتت تقاتل في سوريا لا اسرائيل، ومن حيث المضمون لأنها تناصر الحاكم الظالم على الشعب المظلوم. وقبلها ساهمت بإسقاط الدّولة بعد ان اشتركت مع أقطاب الطرف الآذاري الآخر، جماعة 14، في تقاسم الادارات الحيويّة الاقتصاديّة والأمنيّة بفعل ركون الجميع الى “قانون المحاصصة” وإعلاء سلطته فوق سلطة القانون.

قريبا سيتجرّع الجميع مرارة الهزيمة الآتية بعد انهيار الدّولة المرتقب، وتلاشي المقاومة بعد استنزافها في الوحل السوري.

سقط الجميع على الجميع، وها نحن فوق مجد من رماد.

السابق
نصر الله يطل اليوم: توقعات بتغييرات سعودية وافاق لمرحلة جديدة في لبنان والمنطقة
التالي
ندوة في صور عن كتاب المواطنة