سوق صيدا القديم الكوزموبوليتي

صيدا
سوق صيدا القديم يجسّد وحدة وطنيّة . ما يعزّ ويندر في هذه الأيام العصيبة التي نمرّ بها: عائلات سورية وفلسطينيّة تختلط بروّاد من مغدوشه وقرى من شرق صيدا المسيحيّة، وآتون من بلدات الجنوب.. سيّدات مع بناتهن المحجبات على الطريقة الشرعيّة الشيعيّة يتنقلن في السوق أيضا بكل حريّة. لا وجود للأمراض السياسيّة والإجتماعيّة في هذه البقعة الجميلة الأثريّة من لبنان.

الأسواق الداخليّة الأثريّة في صيدا لها حكايتان. الأولى انها مبنيّة في القرن السابع عشر أيام حكم المعنيين وكبيرهم الأمير فخر الدين الثاني، الطموح الذي ضاق عليه لبنان، فاتسعت امارته من حمص شمالا حتى صفد في فلسطين جنوبا، قبل ان يقتله طموحه هذا عام 1635 وتعدمه السلطنة العثمانيّة في اسطنبول. والحكاية الثانية أنه ما زال عصيّا على الفتنة المذهبيّة والاحتقان الطائفي الذي يسود البلد فترى زوّار السوق من مختلف المناطق في لبنان وحتى من مختلف الجنسيات.

السوق يجسّد وحدة وطنيّة بامتياز، بل ان المشهد يتخطى اللبنانيين ليشمل القاطنين كلهم على الأراضي اللبنانية. ما يعزّ ويندر في هذه الأيام العصيبة التي نمرّ بها: عائلات سورية وفلسطينيّة تجوب السوق ايضا طلبا للبضائع الرخيصة تختلط بروّاده من مغدوشه وقرى من شرق صيدا المسيحيّة، وآتون من بلدات الجنوب.. سيّدات مع بناتهن المحجبات على الطريقة الشرعيّة الشيعيّة يتنقلن في السوق أيضا بكل حريّة. لا وجود للأمراض السياسيّة والإجتماعيّة في هذه البقعة الجميلة الأثريّة من لبنان.

قل هو صورة عن لبنان الماضي، وهو لبنان الذي نحلم بالعودة إليه في المستقبل.

البضائع المعروضة في محلاته – المبنيّة بالحجر اللبناني العتيق على شكل أقبية – تضمّ كل شيء تقريب. يراعى ان تكون صفوفها موحّدة: صف من محلات الألبسة والعطورات يتبعه صف من محلات الأقمشة والبرادي، يحاذيه صف من محلات المواد الغذائية والأدوات المنزليّة، وبعده تطالعك محلات الحرفيين مع منتوجاتهم الخشبية والخزفيّة وغيرها.

كثر ما يلفت الإنتباه بروز ظاهرة وجود محلات الذهب البرازيلي، وهو تقليد الذهب العادي الذي اصبح شراؤه مستعصيا بعد ارتفاع ثمنه عالميا أضعافا مضاعفة، فترى روّاده من الشباب الصبايا، والسعر الموحّد 15 ألف ليرة لبنانية (10 دولارات أميركية) للقطعة الواحدة. يغري الخاطبين والمتأهلين معا من أجل شراء وإهداء هذا “الفوبيجو” الباب أول، المكفول خمس سنوات ضدّ التلف والصدأ وغيره.

محمد حسن أحد أصحاب محلات الملبوسات يقول ان الإزدحام في السوق دائم غير ان المبيعات تتذبذب بحسب الوضع الأمني: “فلا سواح عرب ولا أجانب يدخلون السوق بسبب الأحداث الأخيرة التي شهدها لبنان ومدينة صيدا تحديدا. والسكان المحليون لا يعطون زخما للسوق ويفتشون عن البضائع الرخيصة”.

أما صاحب أحد محلات المجوهرات وهو من آل حدّاد قال لـ”جنوبية”: “الذهب غال وزبائني قلّوا وانا لا أبيع الذهب البرازيلي. عندي زبائني. والجديد في السوق هو ان العاملين أصحاب المحلات بدأوا بتشغيل العمال السوريين منذ مدّة بسبب قلّة طلباتهم المالية، غير ان الوضع مقبول ونتأمّل خيرا”.

العراقة والنظافة والترتيب هي العناوين العامّة لهذا السوق، والبسمة اللطيفة والكلام الجميل الذي يبادر به أصحاب المحلات والعاملين فيها هو المفتاح الى قلوب هؤلاء الزوّار المتعدّدي الإنتماءات والجنسيات.

الانطباع الأول الذي تخرج به من زيارتك لهذا الموقع الأثري العريق والجامع هو تهافت حجم الكذبة الكبرى التي صورت يوما ما صيدا على أنّها باتت مدينة التعصّب والتطرّف المذهبي والمناطقي. وهو ما لا تجد له أثرا وانت تتفرّس في وجوه ولكنات ولهجات الزوار المختلطين.

صيدا بالتأكيد عصيّة على المنطق المذهبي الشاحن الذي حاول حزب الله والشيخ أحمد الأسير أن يحقنا به أوردتها، هي المدينة الساحليّة الوديعة. وهي اذ تصرّ على بقائها خارج القيد الطائفي تثبت بجدارة انها تستحق ان تظل وتبقى عاصمة الجنوب، علّ عدوى الإنفتاح والتعدّدية تعم نواحيه بعد تفشّي الإنغلاق والتقوقع المذهبي في دساكره وقراه.

السابق
اجتماعات لفرعية اللجان ولجنة الشباب الاسبوع المقبل
التالي
جلسة للجنة المرأة والطفل الثلثاء