لبنان.. موطن زعماء الغرائز

لبنان
الغريب أننا لا نقع. مع هذا الكم من الحقد والكره الكامن في نفوس اللبنانيين بعدما شارف الوطن على الموت، وتقوقعت كل منطقة حول زعيمها, وكل طائفة في مربعها الأمني برئاسة الزعيم ورجاله، ضاربين بعرض الحائط المواثيق والمعاهدات والقرارات الدولية التي اعترفت بوجود دولة في الشرق الأوسط اسمها "لبنان".

نعيش وسط اصطفافات سياسية حادة، ومواقف متقلبة وآراء متغايرة. ففي الامس كان الصراع محتدما حول المشاركة في جلسة مجلس النواب، واليوم بات من الممكن ان تشارك الكتل السياسية كلها!

كذلك فإنّ التباعد الحاصل بين ميشال عون وسليمان فرنجية والفجوة التي بدأت تطفو على سطح علاقتهم، تغيرت اليوم مع عشاء سري بينهما. وأيضا نلحظ تقلبات النائب وليد جنبلاط التي لا يمكن تحديدها بشكل دقيق، لا سيما في هذا الوقت مع احتدام الازمة السورية.

فبعدما تقاربت وجهات نظر زعيمي الجبل الجنبلاطي والارسلاني وتم حلّ الخلاف وعمّ التوافق بعد وفاة السيدة مي ارسلان جنبلاط, هذا الجو بدأ يترجم بشكل منقلب على الساحة المسيحية وانعكست حيثياته على الزعيمين عون وفرنجية. لكن غالبا ما يجد الطرفان مخرجا لخلافهما القائم مع تلك المسرحيات السياسية المتنفلة, والفولكلور المبتكر والمستحدث.

أليس صحيحا أننا نعيش في زمن باتت السياسة تجارة فاشلة؟ فتبدلت الاهداف والمصالح, والمبادئ؟

فبعدما كان الشعب هو مصدر السلطات وهو الهدف, تحوّل اليوم إلى وسيلة يستخدمها الزعماء لإثارة الغرائز الطائفية والمذهبية للوصول إلى قاعدة شعبية مزيفة عبر “سوسة الطائفية” التي تنخر عظامنا وتفتتها.

نعيش في زمن أصبح المفسد مصلحا, والمصلح مفسدا والسارق شريفا والقاتل بريئا, والمنفي موجودا ومرغوبا. سيطرت الراديكالية على العقول, وتغيرت الآراء والتصرفات طبقا لميل الرياح. أما نحن اللبنانيين فإننا لا زلنا نقف على حافة الهاوية, ننتظر السقوط.

الغريب أننا لا نقع. مع هذا الكم من الحقد والكره الكامن في نفوس اللبنانيين بعدما شارف الوطن على الموت، وتقوقعت كل منطقة حول زعيمها, وكل طائفة في مربعها الأمني برئاسة الزعيم ورجاله، ضاربين بعرض الحائط المواثيق والمعاهدات والقرارات الدولية التي اعترفت بوجود دولة في الشرق الأوسط اسمها “لبنان”.

هي مشكلة متجذرة في عقول سياسينا ونفوسهم. فلكل منهم مشروعه وقانونه, يرتدون الكراسي منذ نعومة اظافرهم، أما الشعب فينازع تحت وطأة الهريان الاقتصادي والامني، واختلطت القيم الاجتماعية فلا جيرة مؤتمنة، ولا صداقة دائمة، والاسلحة فولكلور مباح، والضوابط مفقودة.

أيها الساسة، نحن نبحث عن عقول ثابتة في قناعاتها، وأدمغة نيّرة في أفكارها، نبحث عن القانون لا دولة الكانتونات الطائفية. نبحث عن زعماء يملكون من الوطنية ما يكفي للتضحية من أجل الشعب، لا نريد صورا على الجدران، ولا خطابات تهجمية وتحريضية بلا طائل ولا معنى.

السابق
البزري: المهم إلغاء التخطيط شرقي صيدا
التالي
ارجاء اللقاء بين عودة و دايفد هيل