روحاني.. «دينغ» إيران!

حسن روحاني
صاغ روحاني مهمّة جديدة للطلاب أطلق عليها "ديبلوماسية العلوم"، مؤكداً "أنّ إيران بحاجة إليها والتي تستلزم فتح الأبواب أمام بعثات الطلاب إلى الخارج"، وتأكيداً لتوجّهه هذا دعا "المؤسسات الأمنية إلى فتح الباب أمام هذه الديبلوماسية ووضع ثقتها في الأساتذة والطلاب".

هل حسن روحاني، رئيس جمهورية ينفذ توجيهات وأوامر الولي الفقيه آية الله علي خامنئي، مع بعض اللمسات “الروحانية” والتطوير المتناسب مع الحاجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد؟ أم أنّ روحاني يعمل لأن يكون صاحب مشروع تحديثي حقيقي واسع وعميق لمستقبل إيران؟ وهل روحاني مرشّح لأن يكون دينغ سياو بنغ إيران؟

ما يقوله وما ينفذه حسن روحاني يومياً منذ انتخابه في 14 حزيران وتسلمه الرئاسة في 4 آب، يؤشّر إلى أنّه يعمل على تنفيذ مسارين، هما في مسار واحد. الأوّل، المباحثات والمفاوضات مع مجموعة الخمسة زائد واحد وتحديداً واشنطن حول الملف النووي، الثاني الانفتاح داخلياً وخارجياً على العالم.

نجاح المسار الأوّل يدعم بقوّة نجاح المسار الثاني. المفاوضات، تبدو جدّية جداً. لدى مجموعة الخمسة زائد واحد تصوراً متكاملاً للموقف الإيراني من الملف النووي. الرد الغربي لن يتأخر، لكن هذا لا يحول دون تعقيدات كثيرة، لأنّ الطرفين تجاوزا المقدّمات ودخلا في أساس المطالب، بكل تفاصيلها، التي من الطبيعي جداً أن تكمن “الشياطين” فيها. الإيجابي هو الوعي الكامل للأميركيين والإيرانيين، السقف العالي للتعقيدات “الشيطانية”، الخارجة عن كل الخطابات الايديولوجية والسياسية الماضية. “الخطوة الأولى حصلت، وهي تشبه الخطوة الأولى على القمر التي كانت صغيرة لكنها قفزت بالبشرية بعيداً إلى الأمام”. طبعاً هنا ليس المقصود البشرية وإنّما العلاقات الأميركية – الإيرانية.

كثيرون داخل الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران، هذا دون الدخول في تفاصيل قوى اقليمية لا تريد نجاح المفاوضات. حتى روسيا، لا تبدو متحمّسة كثيراً لتحقيق أي نجاح سريع، لأنّ مثل هذا النجاح سينتج تطبيع العلاقات الأميركية – الإيرانية ممّا يسحب من يدها “الورقة الإيرانية” التي كانت تبرزها من وقت إلى آخر في وجه واشنطن. أيضاً إسرائيل بكل قوّتها حضورها في مراكز القرار الأميركي لا ترفض فقط وإنّما تحارب توصّل إيران وواشنطن لأي اتفاق. أخيراً فإنّ دولاً عربية عديدة ترى في مثل هكذا اتفاق تجاوزاً لها يصل إلى حد تجاهل وجودها حليفاً يجب أخذ مواقفه في الاعتبار. ما يؤكد ذلك تخلّي السعودية عن مقعد العضوية التي فازت به.

هاشمي رفسنجاني، الذي أصبح، منذ انتخاب روحاني، “خط الدفاع الأول” عن “السياسة الروحانية”، قال: “إذا أتاح لنا متطرّفون إقامة علاقات مع العالم سنسوّي مشكلات كثيرة تعاني منها البلاد، وإلاّ فلن تحقّق أي اختراق… يجب الابتعاد عن التصريحات غير الصحيحة والممارسات الطفولية والجاهلة”…

الرئيس حسن روحاني، يبدو وكانّ لديه رؤية وحتى مشروعاً لمستقبل إيران، مختلف جداً عن المراحل السابقة التي مرّت بها الجمهورية الإسلامية منذ عودة الإمام الخميني، لكن دون نسف الجمهورية، خصوصاً وأنّه أحد “أبنائها الشرعيين”. روحاني يخرج يومياً في خطاباته الموجّهة إلى الداخل من العموميات والترميز إلى الخصوصيات والوضوح. في كلام روحاني، رؤية تزداد تكاملاً حول إيران جديدة متصالحة مع ذاتها ومع العالم، يقول روحاني:

  • “العالم لم يعد كما في السابق.. الحدود لم تعد كما كانت في الماضي.. لم يعد للانغلاق على الذات معنى في عالمنا الحاضر”.
  • يعرف روحاني أنّ الخروج من الانغلاق، خطوة كبيرة ضرورية نحو القبول بالعالم الجديد الذي تشكّل في العقدين الماضيين، أوّل شروطه كما يفهمه روحاني: “القبول بالعولمة كأمر واقع وصحيح”.
  • يعلم روحاني أنّ قبول العولمة والدخول فيها بكل شروطها ومفاعيلها ينتج ضرورة كما يقول: “الاعتماد على العيش بسلام مع دول العالم كافة”. هذا الشرط الواجب، يعني تنفيذه التخلّي نهائياً عن شعار “تصدير الثورة” الذي كان من أبرز “أسلحته”، إنشاء “فيلق القدس” ودعمه ليصبح انتشاره وتدخّله السرّي والعلني يمتد من أفغانستان إلى سوريا مروراً بالعراق ولبنان..
  • روحاني الذي يعرف جيداً أهمية وقوّة الجسم الطلابي في المجتمع وفي عملية التغيير لأنّه يستطيع أن يتحوّل إلى رأس حربة تخترق خطوط التوقّع والممانعة، فهاجم في افتتاح السنة الدراسية (لم تنقل وسائل الإعلام الرسمية الجزء المتعلق بدور الطلاب وقد تولّت وكالة أنباء الطلاب نشره) “الجماعات التي تعمل على التضييق على الحرّيات في الجامعات”، واصفاً عملها هذا بـ”العار”، مضيفاً “سيكون أمراً مخزياً إن لم يتمكّن الأساتذة من التعبير عن آرائهم”.
  • صاغ روحاني مهمّة جديدة للطلاب أطلق عليها “ديبلوماسية العلوم”، مؤكداً “أنّ إيران بحاجة إليها والتي تستلزم فتح الأبواب أمام بعثات الطلاب إلى الخارج”، وتأكيداً لتوجّهه هذا دعا “المؤسسات الأمنية إلى فتح الباب أمام هذه الديبلوماسية ووضع ثقتها في الأساتذة والطلاب”.
    في توجّه روحاني، الكثير من توجهات دينغ سياو بنغ لتحديث الصين. دينغ استنبط شعار “ليس مهماً لون الهر إذا كان أبيض أو أسود، المهم أن يصطاد الفئران”. ثم أردف ذلك بفتح الأبواب أمام الاغتناء بعد تطوير الاقتصاد. نجح دينغ رغم وجود ماو تسي تونغ في إطلاق “تورته الصغيرة” التي تحوّلت إلى محرّك ضخم لتحديث الصين. البداية كانت بتنفيذ “ديبلوماسية البينغ بونغ” مع الولايات المتحدة الأميركية. ثم كرت “سبحة” اللقاءات على مستوى القمّة، وكانت زيارة دينغ إلى واشنطن ولقاءه بالرئيس جيمي كارتر وجولته على مصانع الكولا وغيرها بداية لمسار طويل أوصل الصين إلى منافسة الولايات المتحدة الأميركية اقتصادياً.

حَدَّث دينغ سباو بنغ الصين الشعبية دون أن ينزع عنها “الرداء الأحمر”، ولولا دينغ لكانت الصين في حالة أخرى بعيدة عن ما شهدته من تحوّلات اقتصادية جبّارة. روحاني قادر على ذلك خصوصاً وانّه يشابه كثيراً مع دينغ فهو عرف العالم الخارجي في غلاسكو، كما دينغ في باريس، وصعد إلى القمّة في السلطة قبل أن يدخل في النسيان كما حصل تقريباً مع دينغ ، الذي أُقيل وأُبعِد عن السلطة، ثم نجح الاثنان في العودة إلى القمّة ليصبح دينغ الأمين العام للحزب الشيوعي، في حين انتخب روحاني رئيساً للجمهورية.

المسار طويل، لكنه على الأقل بدأ في طهران كما في بكين بشعار، في حياة ماو تسي تونغ وعلي خامنئي.

السابق
نتنياهو لن يلتقي البابا فرنسيس في الفاتيكان
التالي
فلسطيني حاول طعن مستوطن إسرائيلي في بيت لحم