قلعة صيدا تنتظر العناية الفائقة

قلعة صيدا المهملة

شيدت قلعة صيدا البحرية في القرن الثالث عشر على جزيرة صغيرة لشاطىء صيدا شمالا واقيمت على مراحل بين 1227-1291 تاريخ سقوط صيدا في يد المماليك، بناها الصليبيون الاتون من اوروبا على طريقة نظام القصور المحصنة والتي كان يسكنها القادة الاوروبيون في العصور الوسطى ليحموا انفسهم ضد اي عدو او غزو خارجي.

ويعتقد بأن هذه القلعة قامت على بقايا معبد فينيقي استعملت احجاره وأعمدته الاثرية في بنائها.

وجعل الصليبيون لها جسرا صخريا اوله احجار ضخمة ثابتة ونصفه الاخر القريب من بوابتها متحرك، الا ان الجسر القديم لم يتبق منه الا دعامته الشمالية المدببة لانها الاقرب للقلعة، اما الدعامتان الثانيتان فقد اعيد بناؤهما على الطراز ذاته في عهد الانتداب الفرنسي للبنان آنذاك بعد انهيارهما بسبب الانواء البحرية عام 1936.

الوجهة الشمالية الشرقية
وعندما تدخل البوابة الكبيرة تدرك عندما ترى واجهتها العلوية، أن التماثيل التي نقشت عليها تخبر عن اهتمام الصليبيين بزخرفة قلاعهم كدلالة على بصمتهم في تلك الحقبة الزمنية وكذلك عندما تلج البوابة يأخذك المشهد الى ذلك السور الذي يربط القلعة بعضها بعضا وكأنه حلقة متماسكة الاربطة لا يمكنك اختراقها بسهولة حيث تصطدم بحاجز صخري ضخم على كافة جوانب هذا الحصن المنيع، واذا استطاع اي عدو اختراقه او غزوه فلن يسلم من ذلك الجدار الصخري الداخلي المرتفع في علو 27 مترا و21 مترا عرضا وفجواته المزروعة برؤوس مدافع حيث ذاك لحماية الحصن ومن فيه.

الا ان هذه الفجوات في وقتنا الحاضر سدت بحجارة صخرية تتخذ شكل فوهة المدفع الحديدي التي اصيبت بالصدأ نتيجة عوامل الطبيعة البحرية ومناخها الذي يسرع في تآكل الصخور والمواد الحديدية في هذا الصرح الاثري العريق عبر مرور الزمن.

واذا اكملت عبورك البوابة الى الداخل ستلحظ تلك الصخور المتناثرة هنا وهناك رغم عمليات الترميم المتكررة عبر مراحل متعددة تمت باشراف مديرية الاثار في صيدا.

وتقف لهذه الناحية الشمالية الشرقية من القلعة الصليبية لتجد ركنا من بقايا كنيستها القديمة التي جعل جدارها داعما للجامع الصغير المرتفع بقبته وقد تم بناؤه في العهد العثماني بعيد سنة 1840 وهي السنة التي تعرضت فيها القلعة للقصف من قبل البحرية البريطانية.

ومنذ ذلك الوقت بقيت القلعة على ما هي عليه الان وينكشف لك المنظر البحري بكافة جهاته من على سطح البرج المقابل للجامع ويوجد فيه دهليز ذو درجات صغيرة للابلاغ عن اي خطر قد يحدق بالحصن ومن في داخله لان السلم الخارجي استعماله في هذه الحال يكون في عين مرمى الاعداء.

نتجه نزولا لندخل زاوية اخرى من زوايا الكنيسة القديمة لنرى حجارة مجمعة داخلها اما من سطحها او من احد الامكنة المجاورة لها لاعادة بنائها في ما بعد، يحاذي هذه الجهة مدخل شمالي شرقي يشرف على المياه البحرية ويحكى انه كان مدخلا لوفود كانت تأتي من كل حدب وصوب، الا ان هذه الجهة جاورتها الوجهة البحرية الاساسية للقلعة شمالا ويبدو السور الامامي لها قد اصبح شبه معدوم الوجود لشدة الانواء وقوتها التي ضربته مرات عدة مما حال دون استمراره وانهيار احجاره شيئا فشيئا وحتى الحواجز الصخرية الداخلية التي تخللت الساحة الواقعة في منتصف الجهتين الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية تمثلت كسدود في وجه الغزاة اذا ما اجتازوا السور الكبير الى داخل تلك القاعة المتفرعة الزوايا والاتجاهات.

الوجهة الغربية
نصل في جولتنا الى داخل هذا الحصن للناحية الغربية وبدا من خلال ولوجنا برجها الغربي انها خضعت لعمليات ترميم خجولة مقارنة بالاضرار الكبيرة التي تخلفها امواج البحر والانواء على جدران القلعة الصخرية مسببة في بعض الاحيان انهيار بعضها .

الا ان هناك معلومات ذكرت بانه في عام 2009 عملت المديرية العامة للاثار على وضع مشروع متكامل لاعادة ترميم هذه القلعة واماكن اثرية اخرى بعد تأمين الاموال اللازمة من البنك الدولي.

يملك البرج الغربي ميزة فريدة عبر سقفه المزدان بعقده الحجري مطوقا مساحته الارضية الصلبة التي توزعت على شكل اركان كان لكل ركن فيها جلسته الخاصة وفتحاته المطلة على البحر وشمسه الذهبية الساطعة، اضافة لادراج حلزونية داخلية تؤدي لمنافذ علوية اما باتجاه المدينة شرقا او باتجاه البحر غربا حيث تقع الواجهة البحرية الغربية.

وفيما نسير نزولا نبلغ الجزء السفلي لهذه الناحية من الحصن وتكمن فيه جدار عالية زين بعضها بقنطرة صخرية لتضفي على ركنها جمالا وعظمة.

ونتقدم باتجاه السد الصخري الداخلي الذي يصل الوجهتين الغربية والشمالية ببعضهما ونخلص بمحاذاته الى مقدمة القلعة البحرية.

عمليات الترميم المتلاحقة
والجدير ذكره، أن اجزاء كثيرة من القلعة البحرية تعرضت للانهيار كالبرج الشمالي الشرقي الذي رمم في الستينيات ثم في التسعينيات وبعدها في عام 2009 حيث قامت الهيئة العليا للاغاثة بتمويل مشروع ترميمه عبر دراسات وضعتها المديرية العامة للنقل وتحت اشراف مديرية الاثار تم تنفيذها، وارتكز المشروع في حينه على تدعيم الاساسات وقواعد القلعة ضمن مراعاة لقياسات الحجارة واحجامها وفقا لما يتناسب مع تلك الموجودة في عقد البرج نفسه والقلعة ككل، ويبلغ ارتفاع البرج نحو ثمانية امتار وبعرض اربعة امتار واستلزم انتهاء مشروع الترميم هذا نحو ثلاثة اشهر بدأت في 15 ايلول وانتهت في 15 كانون الاول.

ولفت المهندسون الذين اشرفوا على عمليات الترميم ان هذا السقوط المتكرر يعود سببه لمواجهة البرج، الانواء البحرية مباشرة من جهاته الثلاث: الشمال – الشرق والغرب.

ولحماية اساسات القلعة وقواعدها قد شملت طول الواجهة الشمالية وقسما من الواجهتين الشرقية والغربية المعرضة للانواء بشكل دائم، اذ كانت تعاني الاساسات من فراغ على عمق مترين ونصف المتر تحت القلعة كذلك تمت عملية الترميم على عمق مترين تحت سطح الماء على شكل كاسر اولي للموج.

واكد المهندسون ضرورة اجراء صيانة دورية للقلعة ومسح الاقسام المتصدعة منها من اجل وضع دراسات تكفل ترميمها وحمايتها بشكل دائم.

وما زالت القلعة حتى يومنا هذا تنتظر هذه العناية الفائقة بها وحمايتها والحفاظ على تاريخها الذي مهما كساه الغبار فبمسحة لتبيان وقائعه واحداثه كفيلة بان تعيده براقا لامعا ك”بلور” يسطع تحت اشعة الشمس.

السابق
عبود: اشكالية تأليف الحكومة تكمن بنظرية العزل لدى الطرف الاخر
التالي
تفجير ذخائر غير صالحة في العزية