إمتحان جديد للمجموعة الدولية

تحوّل سفراء دول المجموعة الدوليّة لدعم لبنان مجلس وزراء إحتياطياً، وأصبح اصحاب “المعالي” و”السعادة” في الموقع الذي يجيز لهم الإنخراط في تفاصيل التفاصيل بحكم المسؤوليات الجديدة، وما يتطلّبه الدعم من تشاور وتنسيق مستمرين مع مختلف المرجعيات لفهم ما يريده لبنان تحديداً، وما يمكن للمجموعة أن تقدّمه. ويتصدّر الوضع الأمني واجهة الإهتمام بعد الإنزلاق نحو “الأمن الذاتي” بحجة حماية المربّعات الحزبية والسياسية من خطر العبوات الناسفة والسيارات المفخخة.
وتشكّل الخطة الأمنية الخاصة بمدينة طرابلس إمتحاناً جديّاً للإلتزامات الدولية من جهة، ولأفرقاء الداخل من جهة أخرى، إنها إمتحان لفعاليات المدينة، لـ”قادة المحاور”، لجهوزيّة الدولة ومؤسساتها المعنيّة، وأيضاً لقوى الضغط الخارجية المؤثرة في الأطراف المحليّة.
كان أمن المدينة دائماً خطَ تماس للمصالح المتنافسة، وصورةً مصغّرة عن البلد، وتقاطعاته، وإلتزام بعض أهله أجندات خارجية، وإنغماس البعض الآخر في نزاعات المحاور العربيّة والإقليميّة. ما يجري حالياً مختلف.
هناك وعود دوليّة بتحييد لبنان عن تداعيات المشهد السوري. هناك محاولة لإحياء “إعلان بعبدا” من خلال إحياء طاولة الحوار، وهذا ما يرتّب حسابات جديدة إنطلاقاً من الوضع الأمني، وتحديداً في طرابلس التي تختلج دائماً على وقع النبض السوري.
ما جرى في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعلبك، والجنوب كان حاجة حزبيّة، حركيّة، أهليّة، ذلك أنّ “الأمن الذاتي” قد إصطدم بردود فعل عكسيّة لأهل البيت، وأتباع الطائفة، قبل الطوائف الأخرى، وكان الإنتشار الأمني الشرعي ضرورة ملحّة للحزب، لأنه حفظ له بعض ماء الوجه، وحرّره من مسؤوليات كانت سترتد سلباً على جمهوره، وخطابه، والبيئة الحاضنة.
في طرابلس مساحة الإختبار أوسع، وأكثر تعقيداً، وايّ كلام عن خطة أمنية مجديّة يُفترض أن يأخذ في الإعتبار السلوكيّة المتبعة على طول الحدود المشتركة مع سوريا من شاطىء البحر الى تخوم عرسال لمعرفة ما إذا كانت منضبطة فعلاً، أم لا تزال “داشرة” أمام فلتان السلاح وعصابات التهريب.
إنّ تحييد لبنان، ينطلق من هذه النقطة تحديداً. لا يمكن توفير مقومات النجاح لأيّ خطة إلاّ بعد ضبط الحدود، فهل المجموعة الدولية لدعم لبنان مستعدة لتوفير كلّ المستلزمات للقوى الأمنية الشرعيّة لكي تتمكن من إحكام قبضتها على المعابر الشرعية وغير الشرعيّة لضبط الفوضى ولجم الفلتان؟
وما مدى قابلية المجتمع المدني في عكار وطرابلس على التجاوب لإنجاح الخطة الأمنية، لأنّ البعض يريدها بالتراضي، ومن منطلق الحرص على البيئة الحاضنة للحركات الأصولية المرتبطة بـ”جبهة النصرة”، وتنظيم “القاعدة”، وحجتها في ذلك أنّ “حزب الله” لا يزال متورطاً، ووفيّاً لمشروعه وإلتزاماته الإيرانيّة، ومحافظاً على ترسانة أسلحته؟ هناك أيضاً الدول الداعمة والمموّلة لقادة المحاور، وهدفها إحباط أيّ مخطط يرمي الى جعل الشمال وعاصمته في قبضة الأمن الشرعي، فهل تُقدم المجموعة الدولية لدعم لبنان على الإضطلاع بدور كاسحة الألغام لتسهيل الطريق أمام إنتشار سلس للقوى الأمنية في طرابلس ومحيطها؟
إنّ أقلّ المطلوب هو إحداث فكّ إرتباط ما بين “الداخل العكاري ـ الطرابلسي” والداخل السوري، وهذه عملية معقّدة كونها مرتبطة بأجندات دولية وإقليميّة تفتقر الى الوضوح، وهذا ما يدفع اللاعبيين المحلييّن والإقليمييّن الى التشبث بمواقفهم ومواقعهم الى حين إنكشاف حقيقة ما يخبّأ لسوريا ومستقبلها، وأيضاً لعدد من دول المنطقة، وضمنها لبنان.
وما يغذّي هذا الإعتقاد هو أنّ قراراً قد صدر عن مجلس الأمن، بإجماع أعضائه يقضي بالتخلّص من السلاح الكيماوي، لكن، ماذا لو كان بعض مخابئ هذه الأسلحة ضمن مناطق الإشتباكات؟ وكيف السبيل للوصول اليها؟ وماذا لو سقطت إصابات في صفوف المفتشين؟ فهل تُستكمل المهمة؟
وكيف؟ إن الغموض يكتنف كثيراً من التصرّفات، وكأنّ المطلوب أن تسقط ضحية في صفوف فريق العمل الدولي لكي ينطلق السعي الى إستصدار قرار بوقف إطلاق النار على كلّ الأراضي السورية ليتمكن هذا الفريق من إنجاز مهامه. ووسط هذا الغموض تبقى الخطة الأمنية الخاصة بطرابلس بمثابة إمتحان أول للمجموعة الدولية الخاصة بدعم لبنان، ومدى إستعدادها للدعم؟!

السابق
أبناء الدالية وحدهم: إنه قضاء المال وأمنه
التالي
إلغاء لقاء روحاني – الملك انتكاسة للبنان