هكذا قد يهزم روحاني الحرس الثوري

ما زالت أصداء الاتصال الهاتفي بين الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني والرئيس الأميركي باراك أوباما تتفاعل. وهي أدّت إلى ارتياح على الصعيد الدولي وترحيب بالنسبة للأميركيين الذين وافقوا رئيسهم على هذا التقارب بعدما دلّت الاستطلاعات أن 76 % منهم يؤيدون خطوة الرئيس بالانفتاح على إيران والتفاوض معها. وبالنسبة لإيران بدا كأن هذا الاتصال التاريخي بين الرئيسين قد سبّب زلزالاً سياسياً على المستويين الشعبي والرسمي. فما إن حطت طائرة الرئيس روحاني أرض مطار طهران حتى تجمّع 300 تقريبا من أنصاره حيّوه هاتفين: “روحاني نشكرك”. ومن جهة أخرى هتف نحو 60 شاباً إسلامياً متشدداً من أنصار ولاية الفقيه والحرس الجمهوري: “الموت لأميركا”، “الموت لإسرائيل”. وبلغ أحدهم به الأمر أن رمى بحذائه سيارة الرئيس دون أن يصيبها، بحسب وكالات الأنباء. وذلك دون أن يعمد أحد من الأمنيين إلى التصدّي لهذا الشاب “المتحمس” والحاقد على أميركا ورئيس بلاده ﻷنه تجرّأ وهاتف رئيس جمهورية “الشيطان الأكبر”. وفي هذا دلالة أكيدة أن الأمن والعسكر غير راضيين على ما قام به الشيخ روحاني.

أما على المستوى الرسمي الإيراني فلم يتأخّر قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري ليفصح عن معارضته الصريحة لهذا التقارب. وقال أمس بلهجة تحذيرية لا تخلو من تهديد، إن ما قام به الرئيس روحاني “خطأ تكتيكي” يمكن أن يحصل وأنه: “كان حرياً به أن يرفض التحدّث للرئيس أوباما عبر الهاتف قبل أن يلمس أفعالاً ملموسة من الأميركيين”، ثم صعّد لهجته وتابع: “إذا لاحظنا أخطاءً لدى المسؤولين فإن القوات الثورية ستوجّه التحذيرات الضرورية”. والقوات الثورية هنا تعني “الحرس الثوري الإيراني”، أي حاكم إيران الفعلي، على ما يؤكد العارفون بتفاصيل الحياة السياسية الإيرانية وبآليات الحكم فيها. إذ أنه المؤسسة العسكرية الأمنية والمالية والاقتصادية الأولى في إيران. وهو يأتمر مباشرة من الولي الفقيه السيد علي خامنئي دون الرجوع لمؤسسات الدولة، وهو كذلك حارس لمبادئ الثورة الخمينيّة التي تحرّم التقارب مع “الشيطان الأكبر” = الولايات المتحدة الأميركية. يسعى الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني إلى اغتنام فرصة وجود الرئيس الديموقراطي المعتدل باراك أوباما على رأس السلطة في أميركا كي يحقق الإنجاز الذي فات الرئيس محمد خاتمي نهاية تسعينيات القرن الماضي عندما كان يترأس أميركا بيل كلينتون. فتبرز اليوم المبادرة “الروحانية” وعنوانها حلّ دبلوماسي للمسألة النووية الإيرانية مقابل فك العزلة الدولية عن بلده. فإن نجح في مسعاه فسوف تدين له بلاده ويدين له شعبها. إذ سوف يستعيد اطمئنان الشعب وسوف تخفت أصوات التعرّض والعداء لأميركا والغرب. تلك التي لا تزال العقيدة والأيديولوجيا الفكرية التي تحكم سير النظام الإسلامي في إيران منذ أن أرسى قواعده الإمام روح الله الخميني. وهذا ما سوف يؤشِّر إلى تراجع حتمي لمؤسّسة “الحرس الثوري”.

هذه العقيدة المتشدّدة سيؤدي نجاح روحاني إلى ارتخاء قبضتها الأمنية والعسكرية تدريجاً في إيران لحساب سلطة الاعتدال المتفاهمة مع الغرب. من هنا فإن كلام الجنرال جعفري رئيس الحرس الثوري يصبح مفهوما.ً وتحذيره الشعب الإيراني من خطوة الرئيس روحاني غير المسبوقة في التقارب مع الأميركيين يعكس مخاوف حقيقية من قرب قلب الطاولة على الحاكمين الفعليين في إيران الذين سوف يرون مبادئهم المعادية للغرب تذهب أدراج الرياح وسلطتهم التي تتغذّى من هذا العداء التاريخي تذهب معها إلى الأبد.

السابق
السعد راى ان شروط حزب الله وأطماع عون سدت جميع المنافذ
التالي
د.محمد علي مقلد: التسوية بتنازل ايران عن توسعها