اللعب ما قبل الصفقة

الحرس الثوري يوبخ علنا الرئيس روحاني على “الخطأ التكتيكي” الذي ارتكبه باجرائه اتصالا هاتفيا مع رأس “الشيطان الاكبر” أوباما. أصوات الصقور تعلو في الكونغرس الاميركي مطالبة بعدم الرحمة مع نظام الملالي. نتنياهو يتوجه على عجل الى البيت الابيض لقطع الطريق على أي اتفاق محتمل بين واشنطن وطهران. البيت الخليجي يهتز خوفا من ثنائية اميركية – ايرانية على حسابه… فهل بدأت عملية وأد “جنين” الصفقة الكبرى قبل ولادته؟

ربما، كانت تصريحات الجنرال “الثوري” الايراني تشير الى خلاف جديد داخل البيت الايراني، او الى ان الصراع بين المحافظين والاصلاحيين لايزال على أشده، وتاليا فان من شأن تناحر كهذا ان يعطل أي محاولة من الجناح المعتدل للانفتاح على الغرب مثلما حدث في السابق عندما قطع المحافظون اليد التي مدها الرئيس الاصلاحي خاتمي لمصافحة “قوى الاستكبار”. وربما كان يشير ايضا الى العكس تماما، الى لعبة تجيدها الديبلوماسية الايرانية، وهي محاورة خصومها بلسانين وعقلين بعرض فكرتين متناقضتين في الوقت عينه، مع الاحتفاظ بالقدرة على التصرف تبعا للحاجة والمصلحة. وهكذا ترفع طهران عصا المتشددين وجزرة المعتدلين معا لتضع على الطاولة ماهو مناسب في الوقت المناسب. الارجح ان طهران مصممة على اختيار طريق العقلانية للحفاظ على مكتسباتها السياسية والجغرافية الكبيرة في ظل ضعف الآخرين وتخفيف حدة ازمتها الاقتصادية بكسر العقوبات، وإلا لما كان الضوء الاخضر من المرشد لروحاني. فالعقل الايراني بارد وبراغماتي، ومن “تجرع السم” عام 1988 بقبوله وقف الحرب مع العراق، يستطيع خلفه ان “يتجرع” ما هو اقل بكثير من السم لتحقيق جملة مكاسب بمصافحة واحدة.

في المقابل، الكونغرس الاميركي ليس مجلس الشورى الايراني، والصقور فيه ليسوا بالضرورة الوجه الاخر لعملة واحدة كما في ايران. واسرائيل وأنصارها داخل هذا المحفل ليسوا تفصيلا بسيطا في الحياة السياسية الاميركية، لكن السؤال الكبير الذي لاينفك يتردد في منطقتنا: اذا اضطر صانع السياسة في البيت الابيض مرغما الى المفاضلة الالزامية بين المصالح العليا لاميركا والمصالح العليا لاسرائيل فأيها يختار؟ الجواب البديهي انه سيختار اولا مصلحة اميركا مع الاخذ في الاعتبار مصالح اسرائيل التي لا تنفصل عن مصالح اميركا. وبما ان اي اتفاق محتمل مع ايران يفترض ان يضمن المصالح الاميركية العليا في المنطقة، فمن المرجح ألا تكون العقبات الاسرائيلية سوى قيود شكلية لتحسين المواقع او تحصينها. اما تبديد القلق الخليجي، فرهن باللقاء المرتقب بين روحاني والملك عبد الله بن عبد العزيز، فاما ان يكرس اللقاء الخلاف وإما يفتح صفحة التفاهم والتوافق. والامر الثاني هو الارجح مع العلم ان المكاسب توزع تبعا للرهانات السياسية، فثمة من راهن وكسب وثمة من راهن ولم يصب.

السابق
قطع الطرق الرئيسية في عكار
التالي
عنصرية الممانعين ضد النازحين