الفرحة بهمجية العدو

جبهة النصرة

جلسة مسائية تضم أصدقاء وأقرباء “ممانعين”. التلفزيون شغال بأصواته المزعجة، ولا أحد ينتبه اليه. الجميع مأخوذ بما لذّ وطاب. فجأة يشير أحدهم الى التلفزيون، يدعونا لمشاركته بالاستمتاع بما يراه: رجالان ملثمان يحملان الكلاشينكوف على كتفهما، وبأيدي كل واحد منهما معول، منكبّ على تحطيم شواهد لقبور من نوع خاص. الشريط صامت، ولكن التعليق يفهمنا بأن هذا المشهد هو لمسلحين من “جبهة النصرة”، قاموا “اليوم” (الثلثاء المنصرم) بهدم شواهد أضرحة يهودية في مدينة حلب. في الدقيقة نفسها، تحولت الجلسة الهادئة الى الغبطة؛ أطلقها هو أحد الأقرباء “الممانعين”. بعضنا يلتفت اليه، ويترك مشهد الهدم بالمعاول. مشهد فرحته أكثر إثارة من أعمال “النصرة”؛ وكلامه، أو قلْ تمتماته المتدفّقة، وهو يردّد: “منيح… (جيد) كتير منيح… كتير كتير منيح”. وهكذا، حتى تخرج “النصرة” من الشاشة، ويعود الهدوء برهة. يسأله أحد الحاضرين عن سبب ابتهاجه. فيجيب من دون رفة جفن، ان مشهد “النصرة” هذا يؤكد على صحة نظرية بشار حول “تحالف الأقليات”، ومنها يستنتج بأنه، أي بشار، سوف ينتصر في النهاية.

من جهتي، دققتُ باللوغو الخاص بالقناة التي تبث الشريط، فلم أجد ما أعرفه. كنتُ أود أن أعيد رؤيته في المنزل، على رواق. ولكنني حاولتُ إلتقاط أقنية إخبارية أخرى، “معادية” أو “موالية” لبشار. لكنني لم أحظَ بشيء منها. في اليوم التالي، “غوْغلت” على الشبكة، بحثت عنها على “غوغل”، فلم أتوفّق. ولكن هنا أيضاً، وجدتُ صوراً شبيهة فحسب، جلّ أبطالها من مالي الأفريقية.
لستُ هنا طبعاً في وارد الدفاع عن إسلاميي سوريا، أكانوا إخواناً أو سلفيين أو جهاديين. إنما وددتُ الإشارة الى أن عالمنا المرئي، ومعه الواقعي، صار غارقاً بفبركات مقنعة جداً لمن أحب ان يتمسك بقناعاته. هو عالم ذهني شبه مغلق على أية فكرة اخرى، بنى ونسج حول سكانه هياكل محكمة من الأكاذيب والتلفيقات، التي تستمد قوتها من اختلاطها الفوضوي بالواقع. الشريط الآنف قابل للتصديق، لأن الإسلاميين لم يعفوا غيرهم، قبل أن يعفوا أنفسهم، من ممارسات شاذة كهذه، هي من سماتهم: أكل القلوب، ذبح وحشي، القتل على كلمة، محاكمات “شرعية”، خطف…

ولكن النقطة الأهم من ذلك، مع انها شديدة الإرتباط بالتي سبقتها، هي ردة الفعل “الإيجابية” على المشهد البربري. تلك الفرحة، ذاك البريق في العيون… صاحبنا ينتشي بها لأنها دليل انتصار بشار. دليل على صدقه… لا يكذب بشار؛ يقول انه يحارب الإرهاب التكفيري، وها هو الدليل على ان عدوه هو فعلاً الإرهاب التكفيري… فليرى العالم كله… الخ.

حالة شبيهة كانت سائدة بيننا، رفاق منظمة العمل العمل الشيوعي وحلفائها من اليساريين أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. كلما ضربت اسرائيل، كلما توحشت، كلما ذبح اليمين الانعزالي من أبرياء، أو هجّر أو دمّر… كلما تلفظ أحد خصومنا بكلمة بلهاء، أو قام بفعل إجرامي… كانت تغمرنا نشوة “صحة خطتنا السياسي”، فنحلّق في الوجود بغرور، كما هو غرور الممانعين الآن تماماً، وصلافتهم. ولكننا لم نكن ننتبه في تلك الأثناء الى ان بلادنا غرقت في بحر من الدم وان بشرنا أيضا تحجرت نفوسهم. كنا نتقاتل ولا نتأسى على ما يتحطم في داخلنا ومن حولنا. كأننا ننتحر.

واليوم، سواء كنت مع بشار أو ضده، فان أعمال الإسلاميين ليست مصدر سرور على الإطلاق؛ أو لا يجب ان تكون كذلك. انها بالأحرى تثير العار وتشعرك بالخسارة. وكل من يفرح بها، لا تهمه كل هذه الخسائر “الصغيرة”، لأنه في الحقيقة لا يهمه من نحن.
ونحن بذلك، نساهم أيضاً بتوحش أعدائنا…

السابق
تفجير ذخائر غير صالحة
التالي
ورشة عمل في ابل السقي