ليالي الشمال الحزينة

عل اغنية فيروز تعبر افضل تعبير عن تلك الليالي الحزينة التي تفتقد فيها عائلات من عكار وطرابلس احباءها الذين قضوا في بحر اندونيسيا. هم شهداء الفقر والعوز والحرمان. انهم الحالمون بغد افضل، بربيع لبناني عربي افتقدوه طوال حياتهم. ربما لا يبالي هؤلاء بالسياسة الاقليمية، ولا يكترثون للاتصال الهاتفي بين الرئيس الاميركي باراك اوباما ونظيره الايراني حسن روحاني. ما يهمهم من الاتصال هو ان يرتاح الوضع الامني على الحدود مع سوريا، وان ينقطع القصف السوري عن قراهم، وان تعود حركة التهريب عبر الحدود ليحصلوا على سلع باسعار مخفوضة. تهمهم الاشياء الصغيرة التي تغلب الاحلام الكبيرة.
ليالي الشمال الحزينة ليست وليدة الامس، بل هي تراكم الاهمال الذي يعمّ أكثر المناطق اللبنانية البعيدة جغرافيا. وهذا الكلام صار مملا لأهالي تلك المناطق، اذ يتردد على مسامعهم تكراراً، وتتراكم الوعود كلما زارهم وزير وتصدر الكاميرات والاعلام، ثم لا يلبث ان يغادر وتتبخر معه تلك الوعود الصورية.
هذه حال معظم اللبنانيين مع واقعهم المأسوي المزمن، ولعل ما يحدث في طرابلس او في صيدا وبالامس في بعلبك، وفي اماكن اخرى كثيرة، هو ما يحفز كثيرين على الهجرة، حتى ليكاد البعض يقول ان الباقين في البلد هم الفاشلون الذين لم تنفتح امامهم الفرص في العالم الواسع، وكأنهم بذلك يريدون القضاء على ما تبقى من معنويات لدى البعض، والاهم على فكرة الصمود في وجه المؤامرات الهادفة الى تغيير وجه لبنان وتهجير اهله ومواطنيه الحقيقيين المتشبثين بأرضهم، والقابلين بمصيرهم الضبابي.
الليالي الحزينة لا تقتصر على الشمال، فهي دخلت كل منزل، وكل قرية ومدينة، وكل قضاء ومحافظة. الليالي الحزينة لفحت كل الاحزاب والطوائف والمذاهب، ولم يتعلم اللبنانيون من تجاربهم المريرة، بل تراهم متأهبين لحروبهم الانتحارية، للنزاعات العبثية القاتلة، وللمشاركة في حروب الآخرين على ارض لبنان، واخيرا على ارض الغير.
نتمنى ألا نلقى مصيرا مشابها لختام اغنية فيروز:
“خوفي الباب يتسكر شي مرّة بين الأحباب
وتطلّ تبكيني الليالي الحزينة”.

السابق
فتح طريق العبدة عكار بعد قطعها من قبل عمال لبنانيين
التالي
سيناريو متخيّل لحوار سليمان ــ أوباما