المعارضة السورية التي ضيّعت نصرها

لم يزل خيار التدخل العسكري الاميركي في سورية على الطاولة. فمجرّد التلويح بالضربة وفّر تعاونا روسياً مع الادارة الاميركية حيال الملف الكيميائي، ودفع النظام السوري الى التسليم بوجود هذا السلاح لديه واستعداده للاستجابة لمتطلبات نزعه بإشراف دولي. ورغم اقتناع مراكز القرار، والرأي العام، الاميركيين، بأنّ النظام السوري هو الذي استخدم هذا السلاح ضدّ معارضيه، إلا أنّ الرئيس الاميركي باراك أوباما، الذي ينطلق من حقيقة تورط الاسد في الجرائم الكيميائية، يريد دفع مجلس الامن الى اتخاذ قرار دولي لم يكن ممكنا قبل الاستجابة الروسية – الصينية المستجدّة.
يتوقع خبراء عائدون من واشنطن أنّ المرحلة المقبلة ستدخل الازمة السورية في مسار دولي جديد. فالملف الكيميائي هو الحلقة المحورية التي ستوفر قاعدة التعاون الدولي من اجل فرض القواعد والشروط على النظام السوري، في طريق التخلص من السلاح الكيميائي. فيما الاتجاه الداعم لضربة عسكرية يزداد في واشنطن، في اوساط المراكز الاستراتيجية، والحزب الجمهوري بالدرجة الاولى. أما المعارضون للضربة في هذا الحزب فلم تنطلق معارضتهم من رفضها في الاصل، بل لأنها محدودة، كما قدمتها ادارة اوباما. وينقل خبراء آتون من واشنطن قبل ايام، أنّ أبرز نتائج السجال الذي شهدته العاصمة الأميركية حول سوريا في الاسابيع الاخيرة هي التالية:
1- ظهر اجماع اميركي في الكونغرس على دعم المعارضة السورية، عززه اقتناع اميركي بأن دعم الجيش السوري الحر هو الوسيلة الانجع للجم التيارات المتطرفة والارهابية في الميدان السوري. وبالتالي ستشهد المرحلة المقبلة نزع القيود بشكل كامل امام تدفق السلاح الاميركي الى المعارضة السورية، وجيشها الحر. ساعد على ذلك المام واضح وتعاطف قوي مع الثورة السورية لدى الرأي العام الاميركي ومراكز القرار.

2- ازداد التأييد والتعاطف الاميركي مع المعارضة السورية، بعدما اقتربت صورة الرئيس بشار الاسد، في الوعي الاميركي، من زعماء مثل أدولف هتلر وصدام حسين. وما عاد ممكنا إيجاد أحد في واشنطن، إن في الكونغرس أو في الادارة، يرى للاسد مكانا في اي حل.

3- كشف التلويح بالضربة العسكرية ان حلفاء نظام الاسد، وتحديداً روسيا، ليسوا في وارد الرد على اي هجوم اميركي. مع علم الادارة الاميركية بحدود القدرات الروسية. اما ايران فلم يصدر عن ايّ من قياداتها اي تهديد بالردّ فيما لو وجهت اميركا صواريخها باتجاه ترسانة الاسد.

4- ثمة رضى اميركي حتى الآن لجهة عدم انفلاش الازمة السورية الى دول محيطة وصديقة لواشنطن. فالقرار 1701 لم يزل محترما الى حد كبير في لبنان. والنزاعات اللبنانية لم تزل تحت السقف، وليس من قلق اميركي على الاردن، ولا على تركيا، ولا بطبيعة الحال على اسرائيل. ولم يصدر عن اي جهة اقليمية تهديدات جدية على صعيد خرق القواعد الاستراتيجية وحدودها.

5- النظام السوري بات محرجا لحلفائه، لذا تتعامل الادارة الاميركية مع النظام السوري بطريقة براغماتية، كحالة منفصلة عن سواها، تنطلق من استحالة انتصار نظام الاسد. هذا مع إدراك اميركي أنّ مخاطر النظام وقدراته على الرد تقتصر على تفجير سفارات، والقيام بعمليات اغتيال هنا وهناك، وهي من المخاطر الروتينية التي تواجهها واشنطن مع تنظيمات مثل “القاعدة”.

يخلص خبير سياسي، وهو باحث مقيم في واشنطن، الى ان ثمة اجماعا في مراكز الدراسات الاستراتيجية على ان الرئيس اوباما يريد ان يتلافى الضربة العسكرية. وهذا ما جعل العديد من مراكز التأثير في القرار الاميركي تنتقد اوباما على نقل النقاش الاستراتيجي الى الشارع الاميركي. واعتبر ذلك تعبيرا عن رغبته في تلافي القيام بالضربة العسكرية.
لكنّ نجاح التهويل بالضربة، في تليين الموقف الروسي واستجابة النظام السوري لمطلب تسليم سلاحه الاستراتيجي، جعل من الخيار العسكري خيارا جديا يتنامى متبنّوه بشكل جلي داخل اروقة الكونغرس ومجلس الشيوخ، فيما لو طرح مجددا بعد اي اخلال يمكن ان يبرز من قبل النظام السوري، سواء باستخدام الكيميائي او بتجاوز الخطوط الحمر الاقليمية التي تضعها واشنطن لحماية الدول المجاورة.
كلّها مكاسب للمعارضة السورية، التي لم تعرف كيف تستفيد من “النصر الكيماوي”، المرشّح للتعاظم في كلّ زاروب من الكوكب، وغرق قياديوها في عقدة “إلغاء الضربة” وفي شعور واهم بالهزيمة.

السابق
أنصار الأسير يعتصمون أمام مسجد الأمين في بيروت غداً
التالي
صرخة تونسية: نساؤنا يَعدْنَ حوامل بسبب ‘جهاد النكاح’ في سوريا