زمن النفاق: الضربة تكشف الجميع

البلد – الاثنين 9 ايلول 2013

في النقاش اللبناني حول الموقف من الضربة الاميركية ضد النظام السوري، ثمة ترف يقترب من النفاق، الاخلاقي اولا، والسياسي ثانياً. وهو يتأتى من ادعاءات العنفوان الوطني او القومي، الذي لم يظهر بهذا الشكل الذي نراه اليوم حين كان السوريون يحصدون بالآلاف بأدوات القتل التي يفترض انها مرصودة لقتال العدو الاسرائيلي وليس الشعب.
هذا العنفوان يظهر حاليا دفاعا عن نظام لا جدل في اجرامه ولا في استبداده ولا في تاريخه الدموي ضد شعبه اولا، والشعب الفلسطيني ثانياً. وهو أيضا يبدو ترفاً نضاليا او تعبيرا عن كسل في المشاعر الانسانية، وضمور للحيوية السياسية، وفي احسن الاحوال عجز عن التفاعل وفهم حقوق ملايين السوريين الذين يعلمون اليوم انهم يدفعون فاتورة الدم والدمار، لنظام لا مستقبل له.
والنفاق يتجلى ايضا عندما ينتفض البعض ضد القتل والتدمير اذا ما استهدف من ينتمون الى طائفته. حينها تتحرك المشاعر الانسانية على اساس طائفي او مذهبي. كأنما الجريمة لا تصير في قانوننا جريمة تستحق التنديد والرفض الا اذا كان المقتول يحمل هوية طائفتنا. والأمر سواء إذا كان المنافق سنيا او شيعيا او مسيحيا. كأنّ الجريمة باتت تحتاج، كي يعترف بها المنافق هذا، إلى افادة طائفية او مذهبية، والا فلا تكون جريمة.
مهما اختلف الناس حول دور النظام السوري “القومي” او “الوطني”، فهم متفقون على أنه فشل في حماية مواطنيه. ومتفقون على أنّه يتحمل مسؤولية قتل عشرات الآلاف من المدنيين السورين برصاص ساهم المقتولون بدفع ثمنه، وبقذائف تمَ شراؤها من ثروتهم الوطنية المحدودة. ومتفقون على أنّه دمّر الجزء الاكبر من القرى والمدن والمنشآت المدنية وغيرها… وعلى أنّ السلطة فشلت في دورها الاساس: “حماية المدنيين”. وفشلت في تأمين الاستقرار للدولة. واظهرت بما لا يدع مجالا للشك أنّ عدوانيتها ضدّ الشعب السوري، كلّ الشعب، لم تظهر ولو نتفة منها ضدّ اسرائيل او الاميركيين. والاخطر أنّ هذا “النظام”، ومن اجل بقائه في السلطة، يدمّر سوريا من دون توقف.
ليس هذا فحسب، بل ثمة نحو 7 ملايين مواطن سوري هجّروا الى خارج بلادهم، ومثلهم تهجّر داخل بلده بعدما فقد الحد الادنى من الأمان، بكل ما يحيط عمليات التهجير من مآسٍ وكوارث انسانية واجتماعية. رغم ذلك لم يتحرك هذا العنفوان. لم نشهد تعبيراته حين تمّ قتل وجرح الآلاف بالسلاح الكيماوي، في معزل عمن ارتكب هذه الجريمة. هنا يمكن الموافقة، بالإكراه، على إيمان هؤلاء “العنفوانيين” اقتناعهم بأنّ النظام السوري لا يمكن ان يستخدم السلاح الكيماوي، رغم كل ما ارتكبه. لكن هذا الحسَ الانساني والعنفوان القومي الا تحركه مثل هذه الجريمة؟ الا تستحق مثل هذه الجريمة بياناً، او تظاهرة، او الوقوف دقيقة صمت؟ الا يستحق هؤلاء الذين ابيدوا بالسلاح الكيماوي صلاة او مجلس عزاء؟
ليس هذا فقط، بل ألا يشكل سلوك النظام، في ادارته للأزمة، السبب الرئيس لاستجلاب التدخل الخارجي؟ بعد مئة الف قتيل وامام مشهد مفتوح على مزيد من الدماء والدمار، هل يتوقع احد ان السوريين اليوم سيرفضون الضربة الاميركية؟ لماذا يرفضونها، من اجل ماذا؟ من اجل ان يستمر القتل؟ بماذا يعدهم هذا النظام؟ بأن يستمر حكم العائلة بعد كل هذا الموت والدمار؟ هل من وسيلة يقدمها المتنطحون للدفاع عن نظام الاسد تحمي الشعب من المجزرة المستمرة من دون افق لنهايتها؟
انه النفاق السياسي بعينه. بعض رافضي الضربة، في لبنان وخارجه، علناً يتمنون حصولها في سرّهم انطلاقا من ظنّهم ان هذا التدخل سيجعلهم في مواجهة مفتوحة مع العدو المباشر. وهناك من اعترض على الضربة اعلامياً ويتمنى في سره ان تحصل الآن قبل الغد. والكثيرون من السوريين يريدون ان يتخلصوا من الجرائم التي ترتكب بحق الشعب والبلد، والتخلص من النظام الذي امعن في القتل ولم يتوقف.
العنفوان الكاذب ضدّ “الأميركي” يعرض على السوريين أن يدافعوا عن القاتل الذي شارك في تشريدهم وقتل اخوانهم وتدمير بلدهم. وهو لا يقنع أحدا. قد يضطرّ سياسي من هنا أو زعيم من هناك أو رئيس من هنالك، للتاريخ (بحسب القول الجنبلاطي) أن يدّعي معارضة “الضربة”. وقد يخرج وزير من هنا أو صهر من هناك ليتباكى على أطلال معلولا أو على مرقد هنا أو مقام هناك. لكن في الأصل: من الذي أوصل البلاد إلى هنا؟ وهل ضرب هذا “الذي” دمّر سوريا بقراراته وأسلحته يعتبر خيانة عظمى؟
إنّه زمن النفاق، مذهبيا كان أو طائفيا أو سياسيا أو “عنفوانيا” أو قومجيا. زمن النفاق الذي سيذوب ثلجه ويبان مرجه حين تنحسر غيوم الأسد عن غابة القتل المجاورة.

السابق
الغرب يحذر حزب الله : الحرب قد تصير مفتوحة
التالي
عقاب فلسطينيي لبنان لدعمهم ثورة سوريا: بدأت ساعة الصفر؟