وماذا بعد ضرب سوريا؟

العنوان (افتراضي) لا تقريري. بمعنى أننا نفترض أن ضرب سوريا قد أصبح واقعاً!

وإذا أخذنا بهذا الافتراض، فإن السؤال التالي هو: ما هي آثار الضربة أو الهجوم؟

ليس يستطيع أحد أن يحدد لنا آثار الضربة.. وكل ما قيل في هذا المجال هو محض خيال أو تصورات لا يسندها دليل موضوعي يمكن الاعتماد عليه.. والراجح أن عناوين روج لها الإعلام السياسي مثل (ضربة محدودة) أو (عملية جراحية موضعية محسوبة) إنما هي عناوين تكتيكية، أو (تلطيفية)، أي تلطف أهوال ما سيقع!! وإلا فإن المعروف في التاريخ العسكري (كما يقول خبراء الاستراتيجيات العسكرية).. المعروف هو أن الحروب تسخن وتبرد ثم تسخن، وتتمدد وتنكمش ثم تتسع وفق (الفعل) ورد (الفعل). وإذا كان المهاجم يستطيع أن يحدد فعله، فإنه لا يملك أن يحدد رد فعل المدافع.

صحيح أن الفيتناميين – في أثناء حرب فيتنام الشهيرة – كانوا (يؤخرون) رد الفعل حتى يظن المهاجم لهم: أنهم لن يفعلوا شيئا! بيد أن هذا الظن ذاته هو هدف تأخير رد الفعل، أي أن القيادة الفيتنامية كانت تستخدم أسلوب التأخير ضمن حساب (عامل الزمن) في خطط الحرب. كانت – بمفهوم صريح مباشر – تهدف إلى تخدير الأميركيين و(تنويمهم) فإذا ناموا أو نعسوا كرت عليهم بالخطة التي بيتتها.. والمهم في هذه النقطة أنه حين تنشب الحرب وتلتهب الجبهات يكون للفعل والردود عليه دور مؤثر في مسارات الحرب.. وحتى لو تقرر: أن الضربة محدودة فإن رد الفعل قد يوسع نطاقها بلا ريب، لأن البادئ قد يضيق برد فعل غير متوقع فيعاجل الذي قام بالرد – من ثم: بضربة ثانية وثالثة ورابعة.. وعندئذ تكون الضربة المحدودة بمثابة بداية الحرب فحسب.. ومما يزيد هذا الاحتمال رجحانا: أن نفوس الأطراف المنغمسة في الحرب مشحونة بمعدلات عالية من الغضب والكراهية والنزوع إلى الانتقام والرغبة في السحق والمحق وفرم اللحم وهرس العظم.. وهذه الشحنات تعد أقوى طاقة لتسعير الحروب وتطويل عمرها واستدامة لهيبها.

نعم.. لنفترض أن الحرب على سوريا قد وقعت.. وبناء على ذلك نسأل: وماذا بعد الضرب والحرب؟

ما يهمنا – ها هنا: أن تبقى الدولة السورية، وأن يبقى الشعب السوري. والمثل القريب ها هنا – جغرافياً وزمنياً – هو: العراق. لقد شنت حرب غربية على العراق قبل سنوات عشر – 2003. فكيف كانت حال العراق بعد تلك الحرب؟

الصورة – بإيجاز – هي: (خراب العراق):

1 – تدمير البنية التحتية – والفوقية – للدولة العراقية.

2 – تفكيك الجيش العراقي وتوهين فاعليته بعد أن سارع الحاكم الأميركي للعراق (بريمر) باتخاذ قرار حل الجيش العراقي!!

3 – قتل وتشويه مئات الألوف من العراقيين من الأعمار كافة، ولا سيما الأطفال!

4 – استفحال سطوة القتل والتقتيل والتفجير واتساع نطاق الهروب والتهجير واضطراب الأمن العام، بل انعدامه.

5 – اشتعال فتنة طائفية: عرف أولها، ولم يعرف مسارها ولا نهاياتها.

6 – وقوع العراق في قبضة إيران.

وما هو أهم من المهم: الاعتبار بالمثل العراقي، وهو اعتبار ضروري: استراتيجي وسياسي وأمني وأخلاقي.. ويقتضي اعتبار هذا الدرس المرير الكبير:

أولاً: بقاء البنية التحتية – والفوقية – للدولة السورية.. فهذه البنية إنما هي مقدرات الشعب السوري، وليست إقطاعيات ولا أملاكاً خاصة للنظام السياسي الحاكم.. وبقاء بنية الدولة السورية لا يتأتى مصادفة، بل هو هدف يتطلب قراراً سياسياً عسكرياً، كما يتطلب يقظة دائمة في أثناء تنفيذ العمليات والطلعات.

ثانياً: احتواء الجيش السوري – لا هدمه ولا حله – ووسائل الاحتواء كثيرة منها: التطمين على مستقبل النفس والأهل والولد.. ومنها الترغيب الجاد المتنوع الحوافز والصور.. إلخ.

وهذا موقف مطلوب لذاته.. ومطلوب – كذلك – لدفع تهمة خطرة ومخزية جدا.. ففي هذه المنطقة انتشر مفهوم معين يقول: إن من الأهداف الكبرى لإسرائيل والصهيونية العالمية: تحطيم الجيوش العربية الفاعلة لصالح إسرائيل. ومن هنا، فإن إبطال مفعول هذا المفهوم الخطر إنما يكون بالحفاظ على كينونة الجيش السوري.. وإلا فإن الدعاية السوداء ستجد أوسع فرصة لتقول: إن الحرب على سوريا هدفها المحدد هو: خدمة إسرائيل أمنيا واستراتيجيا وأن المشاركين في الحرب يخدمون إسرائيل!!

وليس ينبغي الاستهانة بالرأي العام الذي يمكن أن يحمل هذا المفهوم، ولا سيما أن استفزازات إسرائيل تعين على زيادة كراهيتها لدى الرأي العام العربي.

ثالثاً: إدارة الحرب بعيدا عن (المدنيين) لئلا يقتل مئات الألوف من السوريين كما حدث في العراق من قبل.. ولا قيمة – ألبتة – للتشنيع على النظام السوري بتهمة استعماله الكيماوي ضد شعبه: إذا استباحت الحرب المحتملة المدنيين في سوريا: استباحت بيوتهم وأسواقهم. فالناس لا يحترمون – في العادة – من يدين الجريمة ثم لا يلبث أن يرتكب مثلها ولو بأسلحة مختلفة!!

ثم إن استباحة المدنيين ستؤدي إلى نزوح سوري جديد، أو إلى تهجير جديد ينتظم مسلمين ومسيحيين والطوائف كافة. وإنما هرب مثل هؤلاء من العراق لأنهم أحسوا أن حياتهم (المدنية) في خطر قاتل.

رابعاً: قد يقال: كيف يمكن أن تقع سوريا في قبضة إيران كما وقع العراق؟.. هناك فروق في هذه المسألة بين البلدين.. بيد أن أي حسابات خاطئة في مثل هذه الأوضاع الحساسة قد تظهر إيران وكأنها هي الحريصة على الدولة السورية، وعلى الشعب السوري.

ولقد دلت التجارب – القديمة والحديثة – على أن الخصم أو المنافس قد يربح أعظم الأرباح من أخطاء خصمه أو منافسه.

ثم من هو الذي يدير الحكم في سوريا في حال تنفيذ الضربة وسقوط النظام؟.. لعل أصحاب الأماني والأحلام يسارعون فيقولون: لا مشكلة. فالمعارضة جاهزة ومستعدة!! والسؤال هو: أي نوع من المعارضة؟.. إن مسؤولية إدارة الدولة في بلد كسوريا هي مسؤولية ثقيلة وشاقة: لا تدار بالأماني العذاب، ولا بالأحلام المجنحة.. وفي مقدمة تلك المسؤولية: الوحدة الصلبة على أساس رؤية سياسية واستراتيجية ناصعة جداً، وواقعية جدا، وإلا فإن سوريا ستخرج من حفرة لتقع في أخرى: كما حدث في بلدان أخرى عديدة.

السابق
أقفلوا الحواسيب وارموا هواتفكم النقالة
التالي
إلى أين تأخذنا الانعزالية؟