الصدى في طهران

ابعدت ايران اصبعها عن الزر الذي كان رئيسها السابق محمود احمدي نجاد يلامسه طوال ثماني سنوات مضت، ويهدد من خلاله بمحو اسرائيل عن خريطة العالم، واكسبت خطابها الرسمي الخاص بسوريا عقلانية غير مألوفة، يدعمها بين الحين والاخر همس ايراني خافت يقول في بشار الاسد وسلوكه ما لا يقال الا في واشنطن.
لا يمكن لطهران ان تنكر صوت طبول الحرب الاميركية. هو اقل من الصدى الذي سمعته قبل 12 سنة خلف حدودها الشرقية، وقبل عشر سنوات خلف حدودها الغربية، لكنه اخطر بكثير. في الحالتين السابقتين كانت اميركا تزيح عدوين شرسين لايران وتؤدي خدمة جليلة للمصالح القومية الايرانية، ما ارسى قيام تحالف ثنائي عميق مع الشيطان الاكبر، ما زالت مفاعيله قائمة حتى اليوم في كل من كابول وبغداد. هذه المرة الطبول تقرع ضد حليف مهم لايران، كان يشكل ممرها الحيوي الوحيد الى السواحل الشرقية للبحر المتوسط وقضاياه التاريخية الملتهبة.
لعل ايران تظن ان الاميركيين يخادعون. يلجأون الى الحيلة القديمة التي طالما اعتمدتها الجيوش لفرض الاستسلام على القلاع والحصون المحاصرة من دون الحاجة الى ضربها او اقتحامها. لكن الرد الذي جاء من واشنطن كان واضحا، وكان محددا بالسعي الى ازالة خطر اسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها النظام السوري، والتي يسعى الى امتلاكها النظام الايراني نفسه: الهدف الاميركي مزدوج، وان كانت الرغبة بالتفاوض على شروط تحييد هذا الخطر اقوى من اي وقت مضى.. في كل من طهران وواشنطن، حتى ولو اقتضى الامر ان تكون دمشق هي القربان.
لم تتأثر تلك الرغبة المشتركة باصداء الطبول. جرى العكس تماما. استكملت واشنطن استعدادتها لاجراء اول اختبار تفاوضي مع الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني، الذي، بدوره، حصل من المرشد آية الله علي خامنئي على حق تعيين وزير الخارجية جواد ظريف،المعروف بهواه الاميركي، رئيسا للوفد المفاوض حول الملف النووي، وبالتحديد حول سبل تخفيف العقوبات الدولية القاسية على الاقتصاد الايراني.
حتى الان، وعلى الرغم من اكتمال الحشد العسكري الاميركي حول سوريا، بانتظار تحديد ساعة الصفر لاطلاق الطائرات والصواريخ، لم يصدر احد في طهران فتوى تجدد تحريم التفاوض مع واشنطن، ولم ينذر احد الاميركيين بان قواعدهم ومطاراتهم وحاملاتهم وناقلات النفط ستكون عرضة للرد الايراني المزلزل. حتى اقفال مضيق هرمز الذي كان ابغض الحلال الايراني، لم يطرح على جدول الاعمال، ولم يستدع استنفارا متبادلا في مياه الخليج العربي..
ما زال الخطاب الرسمي الايراني، لا سيما الصادر عن خامنئي شخصيا، يحلل الضربة العسكرية الاميركية المقبلة لسوريا اكثر مما يحذر من تنفيذها.. ويتوقع ان تلحق الضرر بمصالح اميركا ليس فقط في المنطقة، بل في العالم كله. وهو ما يفترض ان يبرر لكل عدو او خصم للاميركيين ان يشجعهم على تنفيذ الضربة طالما انها في النهاية ستؤذيهم، وستتسبب بهزيمة جديدة لهم، يتمناها كثيرون في العالم باسره!
اما الحريق الكبير الذي تلوح طهران باشتعاله نتيجة تلك الضربة، فانه كما يبدو يقتصر على اصدار الاوامر الى الحلفاء الشيعة العراقيين واللبنانيين بالاستعداد للرد على الاميركيين. وهو ما لم يكن اصلا بحاجة الى أمر ايراني، لانه حاصل لا محالة، وهو جزء من واجب مذهبي تجاه آخر حليف علماني في هذا العالم الاسلامي السني المعادي، بقدر ما هو تسديد لقروض سابقة قدمها النظام السوري الى هؤلاء الحلفاء، في خلال العديد من المعارك المشتركة مع الاعداء والخصوم.
لم تعلن ايران حالة التعبئة، ولم تبدأ بقرع طبول الحرب. لا يعني ذلك انها يئست من بشار كليا، او انها سلمت بخسارة سوريا نهائيا. رهانها الاخيرن وربما الوحيد، هو ان تخطىء اميركا او ان ترتكب حماقة جديدة. وهو رهان يمكن الا يخيب.

السابق
السجن 14 عاماً للمسؤول الصيني المبتسم
التالي
السنيورة :لم ولن نراهن على اي ضربة لسوريا..وهذه ساعة للوحدة