إذا جنّ ربعك

في الفترة الأخيرة، صرت أحدث نفسي عن نفسي أسألها: من أنا؟ وما هو انتمائي؟ وما هي هويتي؟ وعناصرها المكونة. الأحداث الأخيرة التي مرت في المنطقة أحدثت خللاً في تكوين هوية الناس، ولم يعد الإنسان قادراً على إيجاد التوازن المطلوب بين مكونات هويته.

هل أنا عربي؟ وقد تحولت العروبة إلى ثقافة لأنظمة سائدة استبدادية يجري استخدامها النزاعات مع الآخرين. حتى اللغة العربية التي تشكل الرابطة الثقافية بين الشعوب أصابها الوهن وبدأت لغة عربية تستخدم أرقاماً تسود على أجهزة الحاسوب والتواصل الاجتماعي.

هل أنا مسلم؟ وقد تحول المسلمون إلى رمز لمجموعات إقصائية متطرفة ترفض الآخر وتحاول أن تفرض آراءها على الآخرين، وكأنهم وحدهم يملكون الحقيقة المطلقة.

هل أنا سنّي؟ وهو مذهب إسلامي أورثني إياه والدي من دون أن يكون لي خيار بذلك، وقد تحول سلاحاً بأيدي سلطات استبدادية تمارس سلطتها الجائرة ليس على الأقليات المختلفة فحسب بل على أتباع المذهب نفسه.

هل أنا شيعي؟ وهو مذهب إسلامي، يجري استخدام من معارضة تاريخية تمتد إلى 1400 عاماً تسعى لخلع سلطة وإقامة أخرى لا تقل استبداداً عن الأول.

هل أنا فلسطيني؟ وقد خسرنا الأرض عام 1948، وأقيمت سلطتان على ما تبقّى من الأرض تستخدم الشعارات الفلسطينية من دون تحقيق أي من الحقوق الوطنية وقد أصاب نخبتها ترهل ويأس جعل المحافظة على كراسيهم السلطوية المهمة الأساس.

هل أنا شامي؟ أي أنتمي إلى بلاد الشام تلك البلاد التي لم تعرف الاستقرار ولم تعرف الدولة ومؤسساتها منذ أيام معاوية بن أبي سفيان وحتى اللحظة الراهنة وظلت مساحة للكر والفر بين محاولات إقامة الدولة ومحاولات تقاسمها وتدميرها.

هل أنا لبناني؟ ولبنان الكيان في أسوأ لحظاته، واليد على القلب أن يضمحل ويزول أمام شهادات الطوائف والمجموعات المذهبية.

هل أنا إنسان؟ والإنسان لا قيمة له في منطقة يخسر الناس حياتهم في كل لحظة من دون أن يرف جفن المجرمين. الآلاف سقطوا في ساعات في ريف دمشق والمئات غادرونا في لحظات في الضاحية الجنوبية وفي طرابلس.

من أنا؟ لا أعرف، لنفكر أكثر علنا نصل إلى حقيقة ما.

تحدثت إلى صديق لي عن هذه الأسئلة، ونحن ندخن النرجيلة في إحدى مقاهي صيدا الشعبية. سحب صديقي نفساً طويلاً ونفت الدخان في الهواء وقال: شو بينفعك عقلك إذا جنّ ربعك؟

السابق
أميركا.. أميركا نحن هنا
التالي
مشروع 2013.. ممر بيئي في صيدا