المناطق المحررة

الشابة والمتحمسة في تحقيقها مناطق الشمال السوري بالمناطق «المحررة»، مستغربة أن يكون تعبير «خارج سيطرة النظام» تعبيرا أدق مهنيا. «إنها بلدات تحررت من ظلم النظام» ترد علي بالقول.

«المناطق المحررة».. إنه التعبير الذي دأب المعارضون السوريون على استخدامه منذ أن تحولت ثورتهم من سلمية إلى مسلحة بشيء من الاعتزاز لوصف قرى ومدن ومناطق خرجت عن سلطة النظام السوري. واستمر نفس التعبير مستخدما بشكل واسع رغم كل التبدلات والتحولات والفوضى الحاصلة على الأرض. فعلى قدر ما حمل شعار «يلعن روحك يا حافظ» في بداية الثورة من شحنة غضب عتيق حملت عبارة «المناطق المحررة» ذلك التوق للخلاص من نظام عائلة الأسد الاستبدادي..

ما زلت أقرأ عبارة «المناطق المحررة» في صلب مقالات وتحقيقات عن ارتكابات وتجاوزات يقدم عليها بعض كتائب الجيش الحر وتمارسها بشكل ممنهج كتائب إسلامية متشددة بات التناحر بينها هو العنوان.. في المناطق «المحررة» حاليا تنافس حاد بين «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق»، تنافس على السيطرة وإعلان الحدود لمن لا يرضخ..

هناك تقارير أن قائدا من «الدولة الإسلامية» طالب بعض كتائب «الحر» الفقيرة التسليح والتمويل بتسليم مناطقهم له فرفضوا فما كان منه سوى أن كشف عن حزام ناسف حول خصره فوافقت الكتائب فورا. ها هي «جبهة النصرة» تكافح للسيطرة في وجه تمدد «الدولة الإسلامية» التي تعد أكثر تطرفا وتشددا.. كلاهما يمارس ترهيبا ضد السكان وعملا لفرض السيطرة أكثر من جهد مواجهة النظام.. أما كتائب الجيش الحر فتلك حكاية أخرى من الانقسام والتشتت..

بت أتأمل طويلا حين أقرأ مقالات وتحقيقات تحمل عبارة «المناطق المحررة» وأشفق على من يعيش فيها إذ لا شك أن الحيرة بين مرارات متعددة ليست بالأمر الهين. فالمناطق التي خرجت عن سيطرة النظام باتت أسيرة أيضا. صحيح أنها تحررت من سطوة البعث لكنها لم تصبح حرة بعد. والجهد الإعلامي للتمييز بين كتائب «الجيش الحر» وما بين «النصرة» و«الدولة الإسلامية» يكاد يكون منعدما فتختلط الصورة على من هم في الداخل والخارج معا..

ليس الحل الإعلامي أمام هذه الفوضى أن نقول إنها مناطق «محررة»..

يحتاج وصف الوضع في المناطق التي خرجت من سيطرة النظام لتوصيف أكثر دقة وأقل تعميما فهل خروج مدينة عن سيطرة النظام وإخضاعها لفتاوى جبهة النصرة وأمراء دولة العراق والشام هو تحرير.. بالتأكيد لا.. فالثورة السورية اليوم على محك مواجهتين الأولى مع كتائب النظام بطائراتها وأسلحتها الكيمائية والثانية مع «النصرة» و«دولة الشام والعراق» بفتاواها القاتلة.. والسوريون ليسوا أمام اختيار بين المشهدين إذ البحث عن مشهد ثالث صار ملحا رغم ما يحفه من صعوبات. جرت مواجهات ومظاهرات في حلب وسراقب تؤذن ببدء ذلك. إيجاد قاموس من الأوصاف لهذا الوضع يتطلب جهدا قد لا تبدو الثورة السورية تملك ترفه لكن ذلك صار اليوم ملحا فمن خطف الأب باولو لا يمكن إلا أن يكون إرهابيا في وعي الثورة تماما كما هو مجرم من يلقي بالبراميل من الطائرات

السابق
مستقبل مصر
التالي
عشيرة آل جعفر تتبنى كمين عرسال