العنف المجاني في ضاحية المقاومة

 شخص من آل زعيتر وآخر من آل حجولا، في الضاحية الجنوبية لبيروت، يمكنهما «تركيع» الدولة متى قررا. مشهد مبكي غير مضحك. شخصان يمكنهما أن «يلبطا» كل القوانين متى أحبّا. هذان الشخصان «الافتراضيان» هما يعيشان في الواقع الحقيقي، تجدهما في كل المناطق اللبنانية تقريباً. المسألة ليست حكراً على الضاحية. مشهدد طرابلس لا يقل «سوريالية». لكن هنا الضاحية. والضاحية تعني تلقائياً حزب الله. ذاك الشخص والآخر لا يركّعان الدولة فقط، والحزب الأقوى في لبنان، بل يركعان الناس، الأهل المزدحمين في ضاحية المقاومة. هما الأقوى. لماذا علينا أن نقبل بذلك؟
ما حصل أمس في منطقة الليلكي ليس جديداً. غاية الأمر أن ثمة دماً سُفك، فخرج الخبر إلى الإعلام، انتبه كثيرون إلى بعض ما يحصل في الضاحية. في الواقع، هذا هو «العادي» في الضاحية، وتحديداً في السنوات الأخيرة. كأن الناس ما عادوا يكتفون بمشاكل التضارب بالأيدي، إذ يُسجل في كل مشكل استخدام للأسلحة النارية، مسدسات ورشاشات… بالإضافة الى «السلاح الأبيض»! ليس في الأمر مبالغة. تكفي تقارير قوى الأمن الداخلي، التي لا تُسجل كل شيء بالمناسبة، للخروج بهذه المعلومات. أما من يسكن تلك المناطق، على اختلاف نسبة العنف بين الأحياء، فلا يحتاج إلى تقارير أمنية. كل ما يحصل يمكن رؤيته بالعين المجردة.
ليل أول من أمس، في ساعة متأخرة، اشتعلت الاشتباكات بالأسلحة الرشاشة في منطقة الليلكي في الضاحية الجنوبية لبيروت. ما السبب؟ إنه خلاف عائلي، قديم _ جديد، بين أشخاص من آل زعيتر وآخرين من آل حجولا. الظهور المسلح، بالجعب والبنادق، كان يشي بأن حرباً أهلية قد وقعت، أو هي على وشك الوقوع. لا يجدي البحث كثيراً عن السبب المباشر للمشكل. سيكون تافهاً كالعادة، تماماً كما حصل قبل عام تحديداً، حيث انطلقت جولات الثأر بين أفراد من العائلتين. آنذاك، كان واحد يمر على دراجة نارية، وآلاخر يمشي على قدميه، فوصلت بعض المياه الآسنة إلى ثياب الثاني، بعدما نزلت دراجة الأول في حفرة فيها بعض تلك المياه. هذا هو سبب المشكل بينهما، الذي امتد ليصبح عائلياً، ويسقط آنذاك قتيل. أصبحت القضية «ثأرية» الآن. قبل شهرين، وقع اشتباك مشابه لما حصل أمس، استخدمت فيه الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية! أفراد من إحدى العائلتين يملكون محطة وقود في الليلكي، تم إحراقها، على أيدي أفراد من العائلة الأخرى. تخيلوا محطة وقود تحترق! محطة، لا «غالون» بنزين. دخل الجيش إلى المنطقة وأعاد ضبط الوضع. إنها الجملة المعهودة. توفي مهدي زعيتر الذي نقل إثر إصابته إلى مستشفى قريب. رصاصة اخترقت صدره وخرجت من ظهره.

خلاف عائلي تستخدم فيه قذائف الـ«آر بي جي»! بات الخبر مألوفاً. كأن هذه القذائف من ضمن عدة «شد الشعر» في مشاكل الأطفال. بهذه البساطة يتعاطى البعض مع تلك الحوادث. من يفتعلون هذه الحوادث هم أقلية في الضاحية. لكنهم «أقوياء» على ما يبدو. أقوياء على أهلهم. هم كذلك لأنهم لم يجدوا بعد من يوقفهم عند حدهم، لا من جانب الدولة، ولا من جانب الأحزاب هناك، القوية منها والضعيفة. لقد «تفرعنوا» لأنهم لم يجدوا من يردّهم. الأحزاب تخاف على شعبيتها، وعلى الأوراق في صناديق الانتخابات، ومناسبات التأييد، وبالتالي لا يمكن المخاطرة والاصطدام بالشارع. هكذا، يتُرك «أشرف الناس» لقمة سائغة لـ«الزعران». لا تستحق الضاحية أن يترك أمنها للخارجين على القانون. من هم أكثر وعياً، هناك، يتحدثون عن ضرورة «تنظيف» تلك البيئة الآن، أكثر من أي زمن مضى، في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة، وفي ظل ما تعرّضت له الضاحية أخيراً، وما يمكن أن تتعرض له لاحقاً أيضاً.
قبل نحو عام، خرجت أصوات من الضاحية تطالب بوضع حد لـ«الزعران». بعد مدة قصد نواب من حزب الله وزير الداخلية، وصدر كلام عن ضرورة زيادة عديد عناصر سرية الضاحية في قوى الأمن الداخلي. لكن هذا لم يحصل. لماذا يا تُرى؟ الله أعلم… لطالما تحدّث السيد حسن نصر الله، في أكثر من مناسبة، عن ضرورة فرض الأمن في الضاحية. شخصيات حزبية كانت تلوم «الدولة» التي لا تهتم. والدولة من جهتها تلوم الحزب. هنا ندخل في المتاهة. قبل سنوات، كان عديد رجال الأمن في الضاحية 360 دركياً، اليوم أصبح عددهم 240 دركياً! ولا تجد دركياً يعمل هناك إلا وهو يسعى بـ«واسطة» كي يُنقل إلى منطقة أخرى. حتى رجال الأمن يريدون الهرب من هناك! الكل يعلم أن الضاحية باتت مستهدفة أمنياً أكثر من قبل، لكن ما يزداد خطورة هو الضغط على الأهالي الذين يجدون أنفسهم ضحايا عنف مجاني. الأهالي، عاجلاً أو آجلاً، سينفجرون غضباً من الجميع.

السابق
اللبونة… بروفا حرب ثالثة؟
التالي
محام يسعى لإعادة محاكمة المسيح