لهذه الأسباب.. لا حكومة

فيما يصبح المأزق السوري أكثر فتكاً وتعقيداً، يغوص الواقع اللبناني في ثلّاجة الانتظار أكثر فأكثر.لا حكومة جديدة، ليس لأنّ قوى الرابع عشر من آذار تريد حكومة حيادية، ولا لأنّها لن تمنح غطاءً لمشاركة “حزب الله” في القتال الدموي في سوريا.

وليس لأنّ “حزب الله” يصرّ على شراكة حقيقية في تأليف الحكومة، ولِمَ لا؟ إذ إنّ من الممكن التعامل مع الحزب وفق المعيار الأوروبي، أي الفصل والتمييز بين جناحيه العسكري والسياسي، وعلى هذا الأساس يمكن بقاء قوّاته في سوريا، ودخوله سياسيّاً في الوزارة.

ولا حكومة جديدة، ليس لأنّ هناك مشكلة حقيقية في صياغة البيان الوزاري (عندما يصلون إليه)، وإنْ غدا القبولُ أو التوافق مجدّداً على شعار “الشعب والجيش والمقاومة” مستحيلاً، لأنه يتعارض مع القوانين الدولية والاتفاقات المعقودة مع الاتحاد الأوروبي، على أساس أنّ المقاومة هي عسكرية وبالتالي أصبحت مصنّفة على لوائح الإرهاب في أميركا وأوروبا ودول التعاون الخليجي. فاللبنانيون مبدعون في إيجاد الصيغ الكلامية الملائمة عندما يأتي القرار.

لا حكومة جديدة، لأنّ التأثير الإقليمي على القوى السياسية المحلّية بلغ درجات عالية غير مسبوقة وأطاح بالتالي أيّ إمكانات للأخذ والردّ والتقارب على المستوى الداخلي، لذلك لم نعد نرى أحداً يتحدّث مع أحد، وقد أقفِلت كلّ الأبواب في هذا الملف وسائر الملفات العالقة.

إنّ لعبة الإمساك بالأوراق السياسية والأمنية في المنطقة والتي يمارسها الأفرقاء الإقليميون مدعومين من الولايات المتحدة الأميركية من جهة وروسيا من جهة ثانية، في ظلّ حرب جهنّمية مفتوحة في سوريا، وعلى عتبة استحقاقي الانتخابات الرئاسية في كلّ من بيروت ودمشق في العام المقبل، لا تأذن بولادة حكومة لبنانية في المدى المنظور، ولا تسمح بمعاودة الحوار بين اللبنانيين. وبالتالي من الظلم تحميل الرئيس المكلّف تمّام سلام الذي يتحلّى بكلّ صفات رجل الدولة المسؤول، أيّ مسؤولية، لا من قريب ولا من بعيد، في تعثّر الولادة الحكومية.

وفي سياق هذا الواقع الخطير، يُخشى أن يتعرّض الأمن لاهتزازات محدودة مجدّداً، على رغم ما تبذله الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية من جهود استثنائية لوأد الفتنة والحفاظ على الأمن والاستقرار. غير أنّ أحداً لا يضمن عدم تكرار ما شهدناه من تفجيرات متنقلة وعمليات خطف، كما لا يستطيع أحد أن يطمئن بأنّ اغتيالات لن تطاول مسؤولين أو شخصيات من هذا الفريق أو ذاك.

وما يزيد الأمور تعقيداً، أنّ ربط الساحة اللبنانية بالساحة السورية يتشابك سياسياً وأمنياً وعسكرياً أكثر فأكثر، فيما تؤكّد توقّعات عواصم الدول الكبرى المبنية على تحاليل دبلوماسية واستخباراتية، أن لا السيطرة على القصير أو حمص أو سواها يمكن أن تنهي النزاع في سوريا وعليها، وإنّ الحرب على مقاليد السلطة في دمشق يمكن أن تستمرّ لسنوات حتى لو سقط الرئيس السوري بشّار الأسد غداً.

السابق
كاثرين آشتون في طريقها للقاء الرئيس المعزول محمد مرسي
التالي
الاشاعات تفاقم فجيعة عائلة القتيلة نادين…