الانسحاب من أفغانستان أولاً… ثم سوريا

في مطلع شهر حزيران الماضي تلقّيتُ من متابع جدي في واشنطن للأوضاع في سوريا والمنطقة معطيات تفيد أن التقدم الذي حققه النظام السوري وحليفه “حزب الله” في مواجهة الثورة على الاول هو موقت جدا. فالرئيس بشار الاسد ليس بالقوة التي كان عليها، إذ أصبح دمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وحاكماً لبلاده باسمها. وهو بذلك اختلف جذرياً عن والده الرئيس الراحل حافظ الاسد الذي بذل دائماً جهده كي يُبقي سوريا مستقلة قدر الإمكان حتى عن حلفائه، وكي يجعلها لاعباً اقليمياً رئيسياً. ومن الأدلة على ذلك اختلاف تعاطيه مع “حزب الله” عن تعاطي ابنه معه، وعدم اعتباره إياه شريكاً ومساوياً. ومنها أيضاً عدم توقيع الأسد الأب معاهدة تعاون وصداقة مع الاتحاد السوفياتي (الراحل) إلا بعد وقت طويل من التفكير والتدقيق. أما الابن فقد فرّط بكل ذلك من أجل البقاء. وتفيد المعطيات نفسها أيضاً أن إدخال النظام السوري “حزب الله” في القتال الى جانبه سواء في القصير أو في مناطق أخرى غيّر، وعلى نحو جوهري، المعادلة. فالمواجهة الدائرة لم تعد بينه وبين المعارضين له والثائرين عليه ومؤيّدي كل من الفريقين. بل أصبحت مواجهة بين أميركا والجمهورية الإسلامية الإيرانية. وأميركا لا تستطيع أن تترك الإيرانيين يربحون. وإذا ما أُضيف هذا التطور الى المأزق الذي يمثله الملف النووي لإيران، فإن الانطباع الذي يتكوّن عند كثيرين من المتابعين الأميركيين هو أن عملاً ذا طبيعة حاسمة قد تُقدِم عليه الإدارة في واشنطن في وقت غير بعيد. وما المعلومات التي ينشرها الإعلام الأميركي من نقل أسلحة ومعدات مهمة الى الأردن من بينها صواريخ بعيدة المدى، إلا نوع من التأكيد للمعطيات المفصلة أعلاه. طبعاً، يقول المتابع الاميركي الجدّي نفسه، لن تتحرك إدارة أوباما عملياً دعماً للثوار ضد إيران والأسد قبل انعقاد مؤتمر جنيف للبحث في وقف المواجهة الدامية في سوريا، إذا انعقد. لكنها قد تتورط على الارجح في فرض حظر طيران فوق منطقة ما. كما أنها ستوفر لإثنين من أبرز حلفائها الغربيين المساعدة اللوجستية لنقل المعدات العسكرية التي يحتاج اليها الثوار السوريون الى تركيا. ويعرب المتابع إياه عن اعتقاده أن إيران لا بد من أن تكون مرَّت بمرحلة إحباط أو يأس دفعتها الى العمل بكل ما تستطيع لإنقاذ الأسد ونظامه وإن انطوى على أخطاء مثل توريط “حزب الله” في القتال.
وفي الاسبوع الماضي تلقيت من المتابع نفسه معطيات جديدة بدت إلى حد ما مختلفة عن معطيات مطلع حزيران. وهي تفيد أن سياسة أميركا وحلفائها حالياً هي ترك الأطراف السوريين على تناقضهم والأكثرية السنية والأقلية العلوية – الشيعية متابعة القتال الى الآخر. ولا يعكس ذلك رغبتهم في استعار حرب مذهبية بين المسلمين. لكن الرئيس أوباما عنده قضايا معقّدة كثيرة على طاولته. ولذلك فانه وحلفاءه يتحركون ببطء عندما يتعلق الامر بالمعارضة للأسد. وهي أيضاً ترك الثوار النظاميين يتقاتلون مع التنظيمات الاسلامية المتطرفة وينتصرون عليهم، وتحوُّلهم جراء ذلك الممثلين الوحيدين للثورة. وحتى الآن لا تزال للأسد اليد الطولى وخصوصاً بعدما قَدِم لمساعدته مقاتلو “حزب الله” وإيران وعراقيون شيعة. فمنطقته الجغرافية لا تزال سليمة ولم تُمس. والعالم يرى اليوم رسم الحدود الجديدة لها. لكنه لا يستطيع استعادة سيطرته على كل سوريا ولن يُسمَح له بذلك. كما أن المعارضة الثائرة لا تستطيع اجتياح منطقته ولن يُسمح لها بذلك. وهذا صراع سيدوم في رأي المتابع وقتاً طويلاً وخصوصاً بعدما بدأ انتهاء رسم خطوط التماس في الداخل بين الاثنين. ويعني ذلك أن أوباما لن يزيد من “تورطه” في الموضوع السوري، علماً أنه قليل أساساً. وسيستمر على ذلك حتى يسحب كل القوات الأميركية من افغانستان.
أما تورط “حزب الله” في القتال داخل سوريا الى جانب الأسد فقد كان، ولا يزال خطأ جسيماً في رأي المتابع وجهات أميركية عدة. إذ إنه ومع الوقت سيخلق أجواء تذمر منه عند “شعبه” في لبنان، وخصوصاً إذا بدأ استهداف الاثنين وعلى نحو تصاعدي. لكن هؤلاء مقتنعون رغم ذلك ان قيادة “الحزب” لن تنسحب من القتال لأن اشتراكه فيه كان بقرار إيراني لا يزال سارياً.
ماذا تعكس المعطيات الأميركية مطلع حزيران الماضي وأوائل تموز الجاري؟
عدم وجود سياسة اميركية نهائية وحاسمة حيال الموضوع السوري، وربما حيال “الربيع العربي” المتحوِّل عواصف. وهذه طبعاً ليست مسؤولية أو خطيئة المتابع الجدي.

السابق
عسكر وإخوان
التالي
قهوجي: هكذا غطّوه إدارياً.. وكشفوه سياسياً