عُقدة المفاوضات المباشرة

توقّف الاندفاع الأميركي لاستئناف المفاوضات المباشرة عند عقدة ترسيم حدود الدولة الفلسطينية، ولم يكن جون كيري وزير الخارجية الأميركي بعيداً من فهم هذا الواقع، لكنه رغب في إكساب بلاده بريق نجاح في الوصول إلى تفاهم مع الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، على معاودة المفاوضات بينهما في واشنطن في خلال أسبوع، من دون ان يأخذ بعين الاعتبار تشبث سلطة الاحتلال بشروط نسف تلك المفاوضات قبل ان تبدأ، إذ سمع من نتنياهو رفضه الانسحاب إلى حدود العام سبعة وستين، إضافة إلى الامتناع عن تجميد الاستيطان.
ولم يُفاجأ أحد بإرجاء موعد المفاوضات وهو لم يُحدّد أصلاً، إذ عاودت إسرائيل معارضتها الشديدة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وقد سبق ومارست الدور نفسه فارضة على الرئيس الأميركي باراك أوباما الاعتراف بفشل رغبته في تجميد الاستيطان وحل الدولتين، كما انها لم تتجاوب، ولو جزئياً، مع مساعي اللجنة الرباعية، كما لم تقبل بخارطة وضعتها لحل عادل، وكان ان طويت صفحة مساعي قوى ذات قدرة على التأثير العملي للأخذ بما تقترحه لإنهاء أزمة طال أمدها، ووصلت في بعض الأوقات إلى التسبّب بحروب باردة كادت أحياناً أن تدفع إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل.
ولو استعاد جون كيري إلى ذاكرته أسباب فشل اتفاقات تمّ التوصّل إليها، لما ذهب إلى حدّ التفاؤل بجديد منها، وأبرزها اتفاق أوسلو الذي اتخذته إسرائيل مناورة لتعكس على الرأي العام غير الحقيقة، إذ سرعان ما اعتبرته لاغياً بعد أيام قليلة، ولم تنفّذ منه بنداً أو حرفاً، وكذلك فعلت بتجميد المفاوضات منذ أكثر من سنتين وهي تستطيع استحداث ما يدفع إلى التفكير بما يستجدّ وتناسي ما هو مُبرم، والثابت بشكل واضح وملموس هو استحداث خطط استيطان جديدة والبدء بتنفيذها كلما ظهرت محاولة أو مسعى لحل يخرج المنطقة من وضع متفجر يشغل المجتمع الدولي منذ عقود بما يمتص العديد من جهود التواصل والتعاون.
وباستطاعة واشنطن، ربما وحدها، اجتراح حل أزمة الشرق الأوسط وذلك بخروجها من دائرة اعتبار إسرائيل حليفاً أبدياً لها، وأن أمنها من أمن أميركا ككل، إضافة إلى التلويح، ولو لمرة واحدة، بحجب مساعدات التسلّح والتمويل عنها، وما لم يتم الإقدام على مثل هذا الإجراء فإن المفاوضات في واشنطن لن تُحقق ما هو مطلوب، حتى ولو عُقدت، فإن ما يُتخذ لن يُنفّذ ما لم تُجبر إسرائيل على تطبيقه.

السابق
قرار “الجناح الإرهابي” للحلف العربي ـ الغرب
التالي
تعرضت لغرامة بسبب حصان