خلافٌ على التفسير بعد إجماع على القرار

لم تكن سهلة مهمة سفيرة الاتحاد الاوروبي وهي تدافع امام المسؤولين والقيادات عن قرار دول الاتحاد من حزب الله، وفي الوقت نفسه تبرره. لم تلتقِ بعد بمَن يرحب به، وقصرت جولاتها على رافضيه والمتحفظين عنه، وأخصهم أركان الدولة تطمئنهم ــ بلا شماتة ــ إلى مقتضياته

خرجت سفيرة الاتحاد الاوروبي انجيلينا ايخورست من الجولة الثانية من اللقاءات بالمسؤولين والقيادات بانطباعات ايجابية، اتاحت لها استيعاب ردود الفعل السلبية حيال قرار الاتحاد ادراج الجناح العسكري لحزب الله في لائحة المنظمات الارهابية، وفي الوقت نفسه تقديم مزيد من الشروح لحيثيات القرار ودوافعه، وما عدّته أبواباً غير موصدة على المرحلة التالية.
كان أبرز ما أفضت إليه اللقاءات تلك، ولم تكن قد انقضت 48 ساعة على صدور قرار الاتحاد في اجتماع بروكسل الاثنين، وعشية صدوره في صيغته النهائية اليوم الخميس أو غداً الجمعة، ان ايخورست لم تنكفئ بإزاء ردود الفعل، بل سارعت الى شرحها ولقيت آذاناً صاغية، منددة في الوقت نفسه. لم تشأ استفزاز اي طرف، وعملت على تطمين المعنيين الى ان قرار الاتحاد لا يوصد الابواب مع حزب الله والحكومة اللبنانية. اراحتها الاستجابة الفورية طلبها مواعيد مع المسؤولين لشرح مضمون القرار، وطلبت البارحة الاجتماع بمسؤولين في حزب الله لإبداء وجهة نظرها بعدما تأكد لها عدم وضوح موقفه تماماً ورد فعله المباشر.
ليست المرة الاولى تلتقي ايخورست شخصيات تنتمي الى حزب الله، واعتادت الاجتماع بها في مناسبات رسمية للاتحاد الاوروبي. وينتظر حصول اللقاء اليوم.
في بعض ما تحدثت به امام المسؤولين أنها دعت السلطات اللبنانية والأطراف المعنيين الى التعامل بإيجابية، والتحاور حول القرار الذي لا يحول في رأيها دون استمرار التواصل والالتزامات الاوروبية حيال الحكومة اللبنانية، وكذلك عدم اعتراض الاتحاد على وجود حزب الله في الحكومة الجديدة.
قالت لمحدثيها ايضاً، بعدما شرحت دوافع اتخاذه، ان القرار يعبّر عن ارادة الدول التي وافقت عليه.
كانت بضعة المواقف التي سمعتها ايخورست من محاوريها اللبنانيين كافية لطمأنتها ـــ هي ايضاً ـــ الى عدم ربط الاطراف الممتعضين قرار الاتحاد بمهمة القوة الدولية في جنوب لبنان، نظراً الى فصل قاطع بينهما. يعمل جنود القبعات الزرق ـــ وإن انتموا الى دول اوروبية أعضاء في الاتحاد ـــ في إمرة الامم المتحدة.
ورغم أن المسؤولين اللبنانيين فوجئوا بقرار الاتحاد الاوروبي، إلا أن بضعة معطيات توافرت لديهم في الاسبوعين المنصرمين، وخصوصاً منذ الخميس المنصرم، إثر اجتماع سفراء دول الاتحاد في بروكسل، أشاعت اعتقاداً بتأجيل القرار مجدداً على غرار موقف الاتحاد على أثر تفجير بلغاريا من جراء عدم وجود ادلة تدين حزب الله.
عشية اجتماع سفراء دول الاتحاد في بروكسل، ابلغ سفراء اوروبيون الى مسؤولين رسميين ان المداولات الجارية على هامش الاجتماع ربما اتاحت اتخاذ قرار بإدراج الحزب في لائحة المنظمات الارهابية. على الأثر اجتمع وزير الخارجية عدنان منصور، الملمّ بشؤون الاتحاد بعدما شغل منصب السفير في بروكسل ست سنوات، بسفراء دول الاتحاد وأطلعهم على الموقف اللبناني، محذراً من تداعيات القرار. ما لبث ان دخل رئيس الجمهورية ميشال سليمان على خط التحرّك الرسمي بتحديد موقف لبنان الرافض لهذا القرار عبر توجيه رسالة إلى الاتحاد. تعمّد الرئيس تضمين الموقف التشاور مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وتكليف منصور ابلاغ الرسالة، مع تأكيده في ما بعد عدم وجود ادلة كافية لتوجيه الاتهام الى الحزب.
كان تردد في اوقات متفاوتة في اوساط سفراء الاتحاد في بيروت الاعتقاد بأنهم ينظرون الى مواقف وزير الخارجية بتحفظ، وبعضهم ظن أنها لا تمثل وجهة نظر الحكومة اللبنانية بسبب انحيازه الى آراء قوى 8 آذار في اكثر من مناسبة تتصل بالحزب واحداث سوريا. رمى تحرّك سليمان الى تأكيد وحدة الموقف الرسمي المطالب بعدم اصدار الاتحاد الاوروبي قراره.
حتى الاثنين الماضي كانت وجهة نظر وزير الخارجية ان القرار يفتقر الى الإجماع ما إن تتحفظ دولة اوروبية واحدة عن تأييده، وتالياً تعذر صدوره، آخذاً في الاعتبار المحاولة السابقة قبل اشهر.
كان قد احيط علماً بثلاث عواصم على الاقل وخمس على الاكثر من الدول الـ28 اعلنت في اوقات مختلفة تحفظها عن القرار لأسباب مختلفة تحت وطأة جدل رافق اجتماعات الاتحاد على مستوى السفراء، طرح امامهم ثلاثة خيارات: ادراج حزب الله برمته في اللائحة، ادراج افراد منه فيها، ادراج الجناح العسكري وحده. فاذا الخيار انتهى الى ثالثها حلاً وسطاً وافق عليه ممثلو الدول الـ28، وبدا مخرجاً ملائماً يحتمل الاجتهاد. الا انه انطوى في المقابل على مبررات تأويلات متناقضة: كيف ستفسّره كل دولة على حدة عندما تقرّر تحديد عقوباتها واجراءات الحظر ضد الجناح العسكري؟ وكيف يسعها تمييز جناح عسكري عن جناح سياسي، فيما لم يقدّم قرار الاتحاد تعريفاً واحداً مشتركاً له؟
استنسخ القرار تجربة خبرتها بريطانيا أواخر التسعينيات لدى سعيها الى التفاوض مع الثوار الايرلنديين بإعلانها حينذاك تمييز جناحهم السياسي عن العسكري بغية مباشرة حوار مع الجناح السياسي، ما لبثت ان ترجمت هذا التمييز بالإيعاز الى سفيرتها في بيروت فرنسيس غاي، عام 2006، بفتح اتصال بالحزب باسم التحاور مع الجناح السياسي فيه.
لم يكن التعديل الوحيد الذي طرأ على قرار الاتحاد، بل أُلحق به تعديل رئيسي آخر أكثر دلالة، هو تضمينه، بناءً على طلب دول اعضاء، إبقاء الحوار مستمراً مع جميع الأطراف اللبنانيين من دون تسمية حزب الله. في وقت لاحق افصحت ايخورست بجلاء اكثر في جولات اليوم الاول، الثلثاء، عندما سمّت الحزب من ضمن هؤلاء الأفرقاء وعدم الاعتراض على وجوده في حكومة جديدة ممثلة للجميع. أصرّ المجتمعون في بروكسل على تضمينه أيضاً بنداً يقول بمراجعة القرار كل ستة أشهر، رغم أنه في صلب اختصاصات الاتحاد دونما الحاجة الى ايراده. كانت ثمة عواصم تمسكت بهذه الاضافة سعياً الى بعث مزيد من التطمينات الى قرار يعني دول اوروبا. قبيل صدوره طلبت السويد تأجيل صيغة إقراره نهائياً ريثما تقره حكومتها عملاً بآلية مؤسساتها الدستورية، فيما اقترحت عواصم اخرى، في محاولة جس نبض، تأجيله أياماً، إلى الخميس أو الجمعة، كي يتولى خبراء معنيون صوغه بالطريقة الملائمة.

السابق
شعرة في رأس حزب الله
التالي
اوغاسبيان: الحريري منفتح على الحوار