عسكر على السلّة

قرّر أنطوان شويري ذات يوم أن يستثمر في كرة السلة وطنياً. كانت اللعبة مغمورة، لا علاقة للاحتراف بها. هواية يمارسها البعض ويشاهدها من يلعبها، أو من يتابع دوري المحترفين في أميركا. دخل الشويري إلى ملاعبها، محولاً إيّاها إلى مساحة وطنية، ومتنفساً لكُثر. منهم من كان مكبوتاً ومقموعاً سياسياً، ومنهم من رأى فيها مساحة تُخرجه من الدوّامة اللبنانية التي لا تنتهي.

الرجل الآتي من الإعلام والإعلان، وصاحب المليارات، قرّر أن يرتقي باللعبة، في زمن كان كل شيء مرهوناً للوصاية وأزلامها. نجح. حوّل نادي الحكمة أواخر التسعينيات إلى نادٍ بطل في عيون اللبنانيين كافة. الحكماويون، أو أبناء "الشرقية"، كانوا يرون في النادي ما يريدونه في السياسة، الحكمة كان حريّتهم. اللبنانيون الآخرون، كانوا يشاهدون اسم لبنان يرتفع وطنياً، لا طائفياً. أحبوا الحكمة بهويّته الوطنية التي لم يسع يوماً انطوان الشويري إلى اختزالها بهوية حزبية. كانت أيام مجد، تحوّلت من فريق إلى منتخب. وكان الشويري بكل بساطة، باني هذا المجد، وحاميه.

رحل الشويري ولم ترحل كرة السلة. أسس لما بعد شخصه. ربط اسمه باللعبة لكنّه لم يربط اللعبة وحاضرها ومستقبله باسمه ووجوده. هكذا، هو المنتمي إلى حزب كان محكوما عليه بالسجن والملاحقة، فتح للحزب ومناصريه باب الحرية الأوّل، وفتح للبنانيين باب النجاح الأوّل أيضاً، بعد سنوات من القتل المتبادل. الحكمة يومها لم يكن للأشرفية، بل لكل لبنان.

اليوم، يأتي جنرالان، من المدرسة نفسها ليتصارعا على قتل اللعبة، وإنهاء حلم الشويري الحقيقي. جنرالان، واحد عينه على جبيل وتمثيلها النيابي، وآخر عينه على بعبدا حيث يقطن من يُهدد تمثيل جبيل الحالي. ببساطة، تتحوّل كرة السلّة إلى ملعب سياسيّ. متنفس كل لبناني، لأي فئة أو طائفة انتمى، محكوم عليها بالإنتماء، إمّا لهذا الجنرال أو لذاك. وإلّا، مصيرها أن تكون كغيرها من مساحات الأمل اللبناني المفقود.

رئيس جمهورية، ورئيس أكبر تكتل مسيحي، يتصارعان في السياسة على حساب الرياضة. الإثنان، عن قصد، يقولان لكل لبناني يحمل كرة، للسلة أو لغيرها، إن ما عليه سوى استبدالها ببندقية. مساحة الروح الرياضية لها أن تضيق فتختفي، ولمساحة الروح القتالية ـ العنفية أن تحلّ محلّها. كل لبناني عليه ببندقية، كي يلعب لعبة السياسيين، وإلّا سيحارب ويحاكم ويُمنع من ممارسة هوايته. حتى الهواية أصبحت إنتماء.

غرابة المشهد، لا تحتمل مهادنة. كان هناك انطوان شويري، رجل لا علاقة له بالدولة، تصرّف مع الرياضة كمعبر إلى الدولة. كان رجل دولة بالمفهوم العام للكلمة، فحمل همّ الوطن في لعبة. اليوم، إثنان تخرجا من مؤسسة يُقال إنها تختصر كل الدولة، تصرفا ويتصرّفان مع الرياضة بصفتهما من عالم الأعمال ورجاله وتحدياته المادية وصراعاته الخفية. جنرالان، تصرفا بما ليس له علاقة بالدولة. جنرالان، بالتأكيد، أقل رتبة من رجل أعمال بصفة رجل دولة، كان اسمه انطوان شويري.

كان أهون بكثير أن ترحل كرة السلة مع رحيل انطوان شويري، على أن ترحل على يد عسكر، برتبة جنرال. جنرالان، يتنافسان ويتنفّسان من رئة اللبنانيين. جنرالا العسكر، على كرة السلّة، بما فيها من مساحة.. للحياة.

السابق
النازحون ثلث سكان لبنان
التالي
القرار الأميركي الضمني هو تجنب المواجهة