الفنان اللبناني محروم من الضمان


للإطلالة على أحوال "نقابة ممثلي المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون في لبنان"، في الوقت الحالي، كان لنا هذا اللقاء مع رئيس النقابة جان قسيس، ومع الأستاذ صلاح تيزاني:
بداية سألنا قسيس عن تاريخ النقابة وما آلت اليه اليوم، وعن الوضع القانوني للنقابة وقانون تنظيم المهن الفنية فأجاب: في وقت من الأوقات كان لا يوجد الا نقابة واحدة والتي هي أقدم نقابة في الشرق الأوسط، كانت ملاذاً لكل الفنانين ،لذلك كان انتماؤهم لها، وترابطهم بين بعضهم يشكل قوة ضغط على المؤسسة التلفزيونية والأذاعية، وأصلاً لم يكن هناك الا تلفزيون لبنان، وبعد تعدد المحطات التلفزيونية وأنقسام النقابة لم يعد يوجد هذا الترابط.

• هل كانت تضم كل اطياف اللون الفني؟
نعم كل الأطياف ما عدا الموسيقيين، لديهم نقابة لوحدهم، كانت تضم الممثلين والمطربين الذين يعملون في التمثيل، أمثال الرحابنة وفيروز وصباح ووديع الصافي وغيرهم من عمالقة الفن، كان ممنوعاً على غير النقابي العمل في التلفزيون، كان لدينا قوة ضاغطة، اذا دخلنا التصوير ووجدنا احدا غير نقابياً نوقف التصوير حتى يخرج من الأستديو.
تدنى مستوى الأنتاج، كنا أسياد الدراما العربية، وكان يوجد تهافت على شراء الأنتاج الدرامي اللبناني، وكان هناك تكليف من تلفزيونات عربية لأنتاج الدراما في لبنان، كنا ننتج البرامج، التاريخية، والبدوية، وأحياناً الأجتماعية وأكبر الفنانين العرب انطلقت شهرتهم من لبنان، واذا بتتذكروا سعد الدين بقدونس رحمه الله الممثل الكوميدي السوري اشتهر في لبنان وكذلك دريد لحام ومحمود المليجي وغيرهم الكثيرون من الفنانين العرب الكبار.
جاءت الحرب وأوقفت هذه الهجمة وبدأت تتصاعد وتيرة العمل التلفزيوني في الدول العربية. الحرب قتلت كل شيء، "أكلتنا" الظروف المعيشية والاجتماعية السيئة، أصبح الفنان اللبناني يتمسك بأي عمل وأي أجر كان، من أجل أن يعيش وبدأت تنكسر هالة الانتماء النقابي، ففقد الأعضاء ثقتهم بالنقابة.
وعن القانون المهني قال قسيس: في كل دولة قانون مهني، في الماوماو بمجاهل أفريقيا الدولة تهتم بالفنان على الأقل من جهة إعطائه قانون مهني، ونحن أعطونا هذا القانون منذ أربع سنوات وتبين لاحقاً أنه قانون لتنظيم المهن الفنية، وهو ركيك شكلاً ومضموناً، يتناول التفاصيل السطحية كشروط الانتساب الى النقابة، حتى أنه جعل انتساب العضو الى النقابة، ليس بيد النقابة ذاتها، وإنما بيد وزارة الثقافة التي قلصت وعرقلت من عمل النقابة عبر هذا القانون.
وقد صدر ضمن هذا القانون الشيء الإيجابي الوحيد وهو نصه على ضرورة انشاء صندوق التعاضد الفني ولكنه لم يضع الآلية، ولم يفرض إنشاؤه، كما صدر ضمن هذا القانون بند يتعلق بتنظيم الإعلان المرئي والمسموع، يُلزم بتحديد عدد البرامج التي يمكن ان تنتجها القناة المرئية والمسموعة، ولكن كل ذلك بقي حبراً على ورق، مرمياً في إدراج وزارة الاعلام، وعندما راجعنا الوزير طارق متري وزير الاعلام أجاب: ليس ضمن صلاحياتي، إنه من ضمن صلاحيات المجلس الوطني للإعلام، وعندما عرضنا الموضوع على عبد الهادي محفوظ رئيس المجلس الوطني للإعلام كان جوابه: أنا مستعد للنزول الى الشارع والتظاهر معكم…
قانون المهن الفنية لم يلحظ بتاتاً او يشير الى اي علاقة بين المنتجين وشركات الانتاج الفنية والمحطات، حيث ان هذا الامر شيئاً اساسياً ويجب ان يكون من الاولويات، حيث ان الكثير من المنتجين يتحكمون كما يريدون، كذلك ينطبق الامر على المحطات التي اصبحت أشبه بالمافيات التي من الصعب اختراقها، لها كُتّابها، ومخرجوها، وممثلوها، هذا القانون الذي لا يتناول هذه النقاط يمعن في قتل وتسويف وتحقير الكيان النقابي والفني…

• هل فكرتم بتحركات مطلبية على الارض؟
نعم في آخر المطاف سنصل إليها، و"لكن كل ما فكرنا بتنظيم حراك يوقفنا وضع البلد"، مقابل من سنتحرك؟ كنا نفكر بالذهاب الى وزير المالية للبحث في آلية تنظيم الجباية من اجل صندوق التعاضد، فاستقالت الحكومة.
مشاكل متشعبة تحتاج لحل جذري، لقرار… لماذا علينا ان ننتظر حادثة مثل حادثة اماليا ابي صالح وننتظر تدخل رئيس الجمهورية، ووزير الشؤون الاجتماعية، ووزير الصحة في موضوع يجب ان يكون منتهياً مسبقاً عند الكل، أي فنان يدخل المستشفى ممنوع ان يقول له أحد لا… وكلما أردنا إدخال فنان الى المستشفى علينا (تبويس إيدين فلان وفلان) هذا الشيء لم يعد مسموحاً. الفنانون يجب أن يكون لديهم (كوتا) خاصة بكل المستشفيات، هذا حسابه غير حساب كل الناس، على الأقل خطوة تؤدي إيجابياً الى حد ما… كلما دخل فنان الى المستشفى يكون عليه فرق العلاج وأدوية وغيرها، تغطيه النقابة، لم يعد باستطاعتنا أن نكمل، لدينا بين 70 و80 عضواً فوق سن التقاعد، عجزة وبحاجة لمساعدات دائمة وموازنتنا كلها لا تكفي حالة مثل حالة أماليا ابي صالح تستهلك كل موازنة النقابة.
أحد الممثلين تعرض لبتر قسم من قدمه وبحاجة لأدوية دائمة ساعدناه عدة أشهر وحالات كثيرة من هذا النوع، فكيف سنستطيع ان نكمل؟
هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق اعضاء النقابة، لو أنهم قاموا بتسديد ما عليهم من اشتراك شهري متراكم، كنا جمعنا الآن ما يقارب 200 مليون ليرة نستطيع بواسطة هذا المبلغ عمل صندوق للتعاضد يساهم بحل المشكلة، ويغطي تكاليف علاج أي ممثل يدخل المستشفى.
النقابة ليست مؤسسة رأسمالية، وأقولها بالفم الملآن، انا اركض (اشحد) من مؤسسات وبلديات، نعم اشحد، لأجمع مبلغاً من المال حتى يبقى لدينا في صندوق النقابة رصيد نستطيع من خلاله على الأقل ان ندفع ثمن الأدوية لمن يحتاج من الفنانين. في ظل رداءة طقس الإنسانية في سماء هذا الوطن، كم نحتاج من الوقت لتشرق علينا شمس جديدة!
في كل بلاد العالم، ترعى الدول النقابات، وتسهر على راحتها، وبشكل خاص نقابة الفنّانين "الفنان هو واجهة البلد الحضارية والثقافية" اما في بلادنا، ليس للفنان قيمة، إذا مرض أو أصابته مصيبةٌ ما عليه إلا الإتّكال على الله وعلى أصحاب الهمم، وقدرالفنان في هذا الوطن أن يعيش حياته متسولاً يتذلل الأخرين لنيل أبسط حقوقه..
بهذه الكلمات بدأ الاستاذ صلاح تيزاني (أبو سليم الطبل)، عضو نقابة "ممثلي المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون في لبنان"، وأمين صندوقها، إلى "شؤون جنوبية" في هذه المقابلة، وحديثه هذا: يُعتبر كلّ حرفٍ فيه صرخةَ قهرٍ ولوم على ما آل إليه الفنّان اللبناني من الإهمال والإجحاف بحقه على الصعيدين الإنساني والمهني، فلربما تبقى من يسمع من المعنيين وأصحاب القرار.
"أبو سليم الطبل".. الإسم الذي طبع في ذاكرتنا، وكان موعد ضحكاتنا التي كانت تنتظر حلقاته التلفزيونية ومسرحياته بشغف مع أعضاء فرقته التي أصبح كل عضو فيها رمزاً من رموز هذا الوطن والوجه الفني الجميل له .


• ما هو وضع نقابة الممثلين حالياً وماسبب الحالة المأساوية التي يعاني منها الممثل اللبناني خاصةً من الناحية الإستشفائية؟
حصلت النقابة أخيراً على قانون الضّمان الصحّي والقانون المهني ولكنه ما زال "يحبو"! الفنان الأجنبي الذي يأتي من الخارج عليه دفع ضريبة للبلد المضيف أسوة ببقية دول العالم،هناك قانون يجبره على ذلك.
سنة 1964 ذهبنا الى اوستراليا ،النقابة هناك لم تسمح للأمن العام اعطاءنا طلباً إلا بعد ان ندفع 40 دولاراً عن كل شخص منا. عادةً، يأتي الفنان الأجنبي إلى لبنان، يعمل ويحصد المال ولا أحد يقول له "ما احلى الكحل بعينك"..الآن أصبح لدينا قانوناً يجبره على دفع ضريبة على كل أعماله، ولكن ما زال دون تطبيق.
عندما اتى بافاروتي الى لبنان، أتى به الرئيس الحريري في حينها، وأخذ مليون ونص دولار، وآلتون جون أخذ 250 ألف دولار، هم أتوا بأنفسهم قائلين: أين النقابة لندفع لها ما يتوجب علينا…! وكان وقتها لا يوجد قانون بهذا الصدد …إستغربوا: هل يعقل ان يكون هناك دولة تجلب فناناً كبيراً وتدفع له مليون ونص دولار، ليس فيها نقابة…!
• هذا القانون من يُحركه ويعمل على تطبيقه؟
وزارة المالية والأمن العام، عندما نسأل وزارة المالية تقول: لا يوجد جباة نسأل وزارة الثقافة تقول نفس الكلام.
وما زال الفنان اللبناني دون ضمانٍ صحيّ أو نقابي، والنقابة أصلاً ليس لديها الإمكانيات لرعاية ومساعدة أعضاء النقابة، هناك 30 بالمئة من الممثلين الاعضاء في النقابة تقدّموا بالعمر وباتوا فوق السن التقاعدي، يعانون من أمرض الشيخوخة وأمراضٍ مزمنة كالضّغط والسّكري والقلب وغيرها،وهم غير قادرين على العمل لعلاج أنفسهم، يحتاجون إلى مصاريف خاصة ورعاية وأدوية دائمة، أوضاعهم الصّحية والإنسانية سيئة جداً، هؤلاء كان من المفروض أن يكون لديهم راتباً تقاعدياً وطبابة، منهم من مات وعليه ديون طائلة للمستشفيات، ممثلة كبيرة ماتت وعليها 8 مليون ليرة لبنانية لمستشفى اوتيل ديو، أحد الممثلين دفعت له النقابة مليونين ونص وإلا كان انتهى، لم يجد من يساعده ومرضه لا تغطيه الوزارة، زميلٌ آخر توفاه الله دفعت له النقابة كلفة العلاج، كان لا يملك حتى إيجار منزله، واحتراماً للمكانة الفنية العالية لهؤلاء الزملاء، لن أذكر أسماءهم.
لكن لا بدّ من الإضاءة على أن الممثل الزميل رفيق عويجان متروك في المستشفى منذ مدة، دون انتباه من أحد!
كان لنا راتب تقاعدي قدره 300 ألف ليرة كل ثلاثة أشهر من صندوق النقابة، صحيح أنّه قليل ولكن كما يقول المثل: "بحصة بتسند خابية"، ولكن بعد أن توقفت حركة الفن والفنانين ولم يعد أعضاء النقابة يدفعون اشتراكهم الشهري البالغ 5000 آلاف ليرة لبنانية وقعنا تحت العجز، لنا الآن135 مليون ليرة ديون متراكمة على الأعضاء ،هناك تقاعس كبير من اعضاء النقابة البالغ عددهم 600 عضو، تجاه نقابتهم وزملائهم، في السابق كان كلما سافر احد الممثلين في رحلة عمل الى الخارج، يأخذ إفادة من النقابة ويدفع عليها مبلغاً من المال نقدمه للممثلين الذين بحاجة للمساعدة، هذه الحالة توقفت بعد ان أصبح كل واحد لديه مجموعة من الفنانين يرسلهم ويقوم بكل أعمالهم، ونحن في النقابة لدينا مصاريف خاصة، إيجار، وكهرباء، وماء، وصيانة بناية وسكرتيرة…

• ما قصة الممثلة آماليا أبي صالح التي وصلت حالتها الى تدخل رئيس الجمهورية لادخالها الى المستشفى؟
آماليا ابي صالح "بدور" بدأت العمل معي منذ سنة 1964، كانت ثنائي جميل هي وفهمان (رحمه الله)، أعطت الكثير للبلد والفن ولكنّهم لم يعطوها شيئاً في المقابل، آماليا تدهورت حالتها الصحية كثيراً ولولا أن ابنها يضمنها على اسمه لما استطاعت الاستمرار في العلاج، ولكن هناك فرق الضمان 15 بالمئة، والادوية والأطباء، النقابة ساعدتها على قدر المستطاع، وبعد تدهور وضعها الصحي وصلت الأمور الى تدخل رئيس الجمهورية، وتكفلت احدى المستشفيات علاجها مجاناً.
واستطرد قائلاً بحزن: الفنان في هذا البلد (معترفقير) انا اصبح عمري 85 سنة وما زلت أعمل لأعيش بينما كان من المفروض من عشرين عاماً ان أطلع على ألتقاعد، حصلت معي مشكلة في عيوني، خمسون سنة وأنا اكتب على ورق أبيض ،فأحترقت بصلة العين ، الأضاءة في التلفزيون قديماً كانت قوية، وتطلب علاجي 8 إبر وكل إبرة ثمنها 3200 دولار، من أين آتي ب 24 ألف دولار ثمن العلاج؟ تبرع لي بعض الأصدقاء وبعض الأيادي الخٌيرة ومنهم الرئيس ميقاتي بأبرتين، ولولا ذلك كنت فقدت نظري. وأخيراً اتمنى من الدولة ان تكون وفية للفنان الذي رفع اسم بلده عالياً وقدم للوطن الكثير من عمره وشبابه وفنه من حقه أن يعيش بكرامة آخر حياته، اقلّه ان يجد حبة دواء في وطنه… 

السابق
وليام وكيت يحميان طفلهما من الصحافة
التالي
قطع طريق العبدة في عكار استنكارا لانقطاع التيار الكهربائي