جدران لبنان المهزوزة بالفتنة

لاشيء يمنع ربط الاحداث الامنية المتفرقة بعضها ببعض. من محاولة اغتيال احمد شيخان مرافق المسؤول الفتحاوي العقيد طلال الاردني في عين الحلوة مساء امس الى تصفية السوري زين العابدين محمد موسى من مواليد 1981 في محلة الجديدة عند العاشرة والنصف من مساء امس الاول بطلق ناري واحد من مسدس من طراز 9 ملم في فكه الاسفل وقرب مكتب لفرع المعلومات في المنطقة وصولاً الى جريمة "وادي رافق" في جرود رأس بعلبك ـ القاع.
في حادثة عين الحلوة تردد ان مطلق النار هو من المقربين من جماعة الناشط الاسلامي بلال بدر وتأتي في ظل صراع النفوذ على قرار المخيم بين المجموعات الاسلامية وحركة فتح من جهة ومن جهة اخرى بين التنظيمات الاسلامية الاخرى التي تتصارع في ما بينها حول توحيد مرجعية القيادة للتيارات الاسلامية والسلفية داخل المخيمات ولا سيما عين الحلوة اكبرها واكثرها تعقيداً وتداخلاً. الزيارات المتكررة لموفد ابو مازن الى مخيمات "الساحة اللبنانية" عزام الاحمد لم تنجح حتى الآن في توحيد الاطار الامني والعسكري لفصائل منظمة التحرير رغم اتخاذ قرار انشاء قوة موحدة وتسليم افرادها "الزي الموحد" امس الاول كما يبقى "عين الحلوة" قابلاً للانفجار والاقتتال في اي لحظة في ظل وجود نزعة اسلامية للمشاركة في المعارك السورية نصرة لاهل السنة من القصير الى حلب وريفها ودير الزور والحسكة الخ… بينما تبدو القيادة الفلسطينية حريصة على عدم تكرار تجربة مخيمي البارد دماراً وتشرداً واليرموك نزوحاً لغالبية سكانه وهذا الحرص ترجم فلسطينياً في اكثر من لقاء على المستوى الرسمي والحزبي وآخرها مع "حركة امل" و"حزب الله" اذ سعت قيادة حركة امل في جبل عامل الى تحصين "العلاقة التاريخية" مع فتح ومنع اي احتكاك مع المحيط "بين مناصري امل ومناصري فتح وبعض الاحزاب الاسلامية في مخيم البص والبرج الشمالي وفي تجمع القاسمية ومخيم الرشيدية بينما سعى حزب الله الى التخفيف من حدة التوتر مع حركة حماس بعد التباين في مقاربة الملف السوري من الناحية الامنية والعسكرية.
في حادثة الجديدة لم يجزم المحققون بعد بهوية المنفذين مع بداية فحص كاميرات المراقبة الموجودة في المكان امس الا انهم انطلقوا من فرضية المعارضة والموالاة السورية اذ تبين ان المغدور زين العابدين موسى هو من الطائفة العلوية لكنهم لم يستبعدوا فرضية التورط الجنائي او تصفية على خلفية شخصية في ظرف حالك يمكن ان يمر مرور الكرام وهي ليست الحادثة الاولى من نوعها في المنطقة حيث يتعرض سوريون الى كثير من المضايقات يعود جزء منها الى تجاوزات يقوم بها لاجئون سوريون بحق سكان المنطقة من "تلطيش" وسرقة كما يتلقى جزء من هؤلاء مضايقات واهانات على خلفية انهم يزاحمون بعض العمال المصريين واللبنانيين والعراقيين على بعض الاعمال اليومية في المنطقة العامرة بالمشاريع الصناعية والتجارية.
ورغم انه لا يمكن فصل الجرائم الآنفة الذكر عن مشهد الانقسام اللبناني حول سورية وهو يأتي كرد "فعل طبيعي" على التدخل الميداني لـ"حزب الله" في القصير والقرى المحاذية للسلسلة الشرقية، تشير مصادر واسعة الاطلاع الى عدم وجود اية معطيات بوجود قرار خارجي بالتفجير الكبير او اي دلالات او تقارير تشي بعملية تسلح او تدريب او استقدام مقاتلين وتلقي تمويل من جهات خارجية كما اتصلت الجهات المعنية بأكثر من فصيل حزبي وأجمع الكل على رفض الحرب وتلافي تفجير الاستقرار الهش اصلاً.
وتحيل هذه المصادر وقوع الاحداث المتفرقة بغض النظر عن خطورة بعضها الى وجود محاولات لدى بعض القوى الخارجية والداخلية التي تريد "الرد" على عمليات حزب الله في سورية بينما تتهم قوى اسلامية وسلفية متعاطفة مع الثورة في سورية حزب الله بمحاولة القضاء على كل وجود سوري معارض في لبنان وفي القرى البقاعية والشمالية تحديداً.
عملية التطويق الواسعة لحادثة "وادي رافق" تؤشر الى صعوبة الموقف الذي بلغته العلاقة بين المحيط البقاعي الشيعي الداعم للنظام السوري والذي سقط العشرات من ابنائه في القتال الى جانبه وبين المحيط السني العرسالي الداعم للثورة السورية والذي يوفر لها بيئة حاضنة ولمقاتليها المأوى والطبابة والمساعدات العسكرية والتهريب وغيرها وفق ما يتبادل الجانبان الاتهامات. ولا تبدو في هذا السياق ان الجهود التي بذلت ستلغي حالة الغليان التي اصابت كلاً من المنطقتين بعد عمليتي القتل الثأري، ولا سيما في صفوف عشيرة آل جعفر المعروفة بـ"امكاناتها العسكرية والبشرية" ومعاركها في الاعوام الماضية حيث خاضت معارك دامية مع الجيش السوري وحزب الله نفسه والجيش اللبناني وهي استجابت مع الضغوط المكثفة التي مارسها حزب الله وحركة امل لضبط النفس وانتظار تسليم الجناة ويتردد ايضاً انهم من مسلحي المعارضة السورية.
لبنان يرزح تحت غمامته السوداء تمطر غيومها امطاراً ساخنة من دون ان تجرف سيولها "جدران الدعم المهزوزة".

السابق
المعتصمون أمام المجلس الدستوري: لبنان يشهد اليوم انتهاء شرعية المجلس
التالي
حزب الله: لن نسمح بالفتنة