السفير: الجيش ينجح في اختبار طرابلس

لم يعد بإمكان أحد أن يطمئن اللبنانيين أبعد من يومهم. وكل يوم يمر، يقضم من رصيد الاستقرار اللبناني، من دون أن يكون بمقدور أحد، لا من السياسيين ولا من المنجمين، توقع ما سيكون عليه الغد الآتي.

ينطبق هذا الأمر على السياسة والأمن والاقتصاد وكل تفاصيل حياة اللبنانيين.

في طرابلس، يقرر الجيش خوض اختبار الهيبة والقدرة، فينجح حيث لم يكن أحد يتوقع ذلك، في ضوء التجارب المتراكمة منذ ثماني سنوات، والتي ذهب ضحيتها نحو ألفي شخص بين قتيل وجريح معظمهم من الأبرياء، فضلا عن تدمير أحياء وممتلكات وترويع مدينة بأكملها.

ولعل العبرة، في أن لا يتردد الجيش من جهة، وأن يشكل الدعم السياسي من كل أطياف المجتمع الطرابلسي، مظلة له من جهة ثانية، حتى يمضي في مهمته التي ستكون مكلفة على الصعيد الوطني اذا أصابها تعثر ما.

وفي السياسة، بقي لبنان أسير تداعيات معركة القصير، من القاهرة، الى اللبنانيين المنتشرين في الدول العربية، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، الى مجمل التوازنات الداخلية، فضلا عن الحسابات الاقليمية التي صار أفرقاء الصراع اللبناني جزءا لا يتجزأ منها، برغم التحايلات اللفظية والإصرار على رفع لافتة "النأي بالنفس" الوصفة السحرية التي لم تحم لبنان ولكنها منعت انهياره.

وفي السياسة أيضا، وقع المحظور. فقد أصبح المجلس الدستوري أسير الحسابات السياسية، ليس الداخلية وحسب، بل الاقليمية والدولية أيضا، وخاصة في مرحلة ما بعد سقوط مدينة القصير السورية.

وفي التفاصيل، علمت "السفير" أن السفارة الأميركية في بيروت ألحّت على قيادات "قوى 14 آذار" لاستخدام نفوذها السياسي في المجلس الدستوري، من أجل فرض النصاب القانوني لقبول الطعن المقدم من رئيس الجمهورية ميشال سليمان و"تكتل التغيير والاصلاح".

ويأتي ذلك على بعد 12 يوما من الموعد القانوني لنهاية ولاية الاربع سنوات للمجلس النيابي الحالي في 20 حزيران الجاري، و13 يوما لسريان النفاذ العملي لقانون تمديد ولاية هذا المجلس لسبعة عشر شهرا تنتهي في 20 تشرين الثاني 2014.

واللافت للانتباه، قبيل الضغط الذي تعرّض له المجلس الدستوري، انقسام أعضاء المجلس على أساس طائفي، بين خمسة أعضاء مسيحيين، قدموا أسبابهم الموجبة للقبول بالطعن، تحت وطأة الاعتراض الماروني الثلاثي (ميشال سليمان وبشارة الراعي وميشال عون)، وبين خمسة أعضاء مسلمين قدموا ما يبرر وجهة نظر مرجعياتهم الشيعية والسنية والدرزية لجهة رفض الطعن.

وعلم أن القاضي عصام سليمان الذي عين نفسه مقررا، أنجز تقريره السري في مراجعتي الطعن (مراجعة رئيس الجمهورية في اول حزيران الجاري، ومراجعة عون في 3 حزيران) بعد دمجهما معا.

ومن المفترض أن يكون سليمان قد أبلغ أعضاء المجلس بمضمون تقريره ودعاهم الى التداول فيه، حيث يوجب قانون إنشاء المجلس عقد مثل هذه الجلسة خلال خمسة أيام من تاريخ تبلغ الأعضاء التقرير، والتي يقضي القانون المذكور ايضا بأن تبقى مفتوحة الى ان يصدر القرار النهائي خلال مهلة أقصاها 15 يوما من تاريخ انعقاد الجلسة.

وكان لافتا للانتباه أن من التقى رئيس الجمهورية أو البطريرك الماروني، شعر أن هاتين المرجعيتين مرتاحتان للنتائج الأولية لمداولات المجلس في الساعات الأخيرة،
في أول إشارة واضحة الى تقدم وجهة أخذ المجلس الدستوري بالأسباب الموجبة لإبطال قانون التمديد.

وعلمت "السفير" ان النائب وليد جنبلاط استشعر تقدم هذه الوجهة في ضوء الضغط الذي يتعرض له العضوان السنيان من مرجعيتهما السياسية، فأرسل إشارات واضحة بأن أي وجهة من هذا النوع من شأنها أن تطيح، ليس فقط الانتخابات، بل التحالفات السياسية برمّتها.

واذا كانت الأجواء المحيطة بالمجلس تؤشر الى أن قراره لم يعد بعيدا، فإن توافر أكثرية سبعة أعضاء (المسيحيون الخمسة والعضوان السنيان) من أصل عشرة أعضاء، سيحدث انقلابا في وجهة المناقشات وصولا الى إلغاء التمديد ووضع البلد مجددا على سكة الانتخابات النيابية.

وعلم أن ثمة توجهاً واضحاً اتخذته "قوى 8 آذار" يقضي بالذهاب الى الانتخابات قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي، على عكس ما يشتهيه "فريق 14 آذار" بأن تكون الخطوة التالية للطعن تحديد موعد الانتخابات في غضون أربعة الى ستة أشهر.

طرابلس: اختبار وطني
في طرابلس، بلغ التحدي مداه أمس بين المجموعات المسلحة التي تسعى لفرض سطوتها على الشوارع الداخلية والأسواق القديمة، والجيش اللبناني الذي من المفترض أن يوسع خطة انتشاره لضبط الوضع الأمني في كل أرجاء المدينة، بعد أن تمددت الاشتباكات فجأة من المناطق الساخنة (التبانة ـ جبل محسن) الى الأسواق الداخلية في عاصمة الشمال.

وبرزت أمام الجيش عراقيل عدة خلال تنفيذه المهام المطلوبة منه، أبرزها إيجاد خطوط تماس تفتح للمرة الأولى في أسواق طرابلس القديمة التي شهدت اشتباكات ضارية بين "حركة الناصريين العرب" بقيادة الشيخ عبد الكريم النشار المؤيد لـ"حزب الله"، ومجموعات سلفية مسلحة بقيادة الشيخ علي هاجر.

وتنذر هذه الاشتباكات التي انطلقت مساء أمس الأول وتجددت مساء أمس، وذهب ضحيتها قتيل وثمانية جرحى، بفتنة سنية ـ سنية بين أبناء النسيج الطرابلسي الواحد من الصعب التكهن بنتائجها، وهي تعطي المسلحين الذين أجبروا على الانكفاء عن المحاور التقليدية بين التبانة والقبة والمنكوبين، بعد الانتشار الكثيف للجيش، مساحة جغرافية وأمنية جديدة للتحرك.

لكن تحرك المسلحين غير المسبوق في أحياء طرابلس، أعاد الى أذهان الطرابلسيين الحروب التي عاشتها المدينة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما قامت "حركة التوحيد الاسلامي" بإخراج كل الحركات المناوئة لها من المدينة قبل أن تُحكم سيطرتها عليها بين عامي 1983 و1985.

والأخطر من كل ذلك هو إصرار بعض المجموعات المسلحة على استهداف الجيش اللبناني بإطلاق النار عليه، وإقامة الحواجز في الشوارع المحيطة بالأسواق والتحصن فيها وإقامة الدشم والمتاريس، الأمر الذي قد يجعل طرابلس في ظل إصرار القيادة العسكرية على تنفيذ مهمتها، أمام معركة الهيبة على الصعيد الوطني وليس الطرابلسي .

جنبلاط: حذارِ طرابلس

وفيما أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن الجيش سيستكمل خطته ولن يتهاون أو يتردد مع أي مخل بالأمن، نصح النائب وليد جنبلاط التيارات السياسية في طرابلس بدعم الجيش اللبناني، "لأنه لا فائدة من تحريك جبهة طرابلس".

وردا على سؤال لـ"السفير"، أعرب جنبلاط عن اعتقاده "أنّه لا يمكن لهذه الجبهة المجانية أن تؤثر على مجرى الأحداث السورية، وكل من يعتقد أنّ القنص العابر للمحاور الشمالية سيضعف النظام السوري، يرتكب خطأ استراتيجياً، لأنّه سيستنزف الجيش اللبناني وينهك قواه، وقد يسمح للجيش السوري بالتدخل مباشرة على الأراضي اللبنانية".

ودعا جنبلاط الجميع للتحلي بالواقعية لحماية السلم الأهلي، وكرر أنّه يتفهم الشق الدستوري في الطعن المقدم من رئيس الجمهورية "ولكن ثمة واقعاً يتصل بالاستقرار العام، لا يمكن القفز فوقه"، ورأى جنبلاط أن تأليف الحكومة بات ضرورة قصوى لنقل الخلاف من الشارع وتنظيمه على طاولة مجلس الوزراء، مؤكدا تمسكه بمبدأ مشاركة "حزب الله" بالحكومة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لأنه "لا يمكن عزل أحد أو إلغاء أحد".

ودعا جنبلاط "حزب الله" لان يأخذ في الاعتبار مصلحة اللبنانيين ومصير آلاف العاملين في دول الخليج .

الجدير ذكره أن رئيس الجمهورية سيستقبل اليوم سفراء دول مجلس التعاون الخليجي وسيؤكد أمامهم إصرار لبنان على عدم التدخل في الشأن السوري.
  

السابق
النهار: اجتماع لقوى 14 آذار لاتخاذ موقف من تورط حزب الله
التالي
المستقبل:سليمان يجدد رفض التدخل في سوريا