التكليف الشرعي لـ “حزب الله” صدر!

خرج حزب الله عن طابع الكتمان.. بعد ان بات القتال في القصير الى جانب النظام السوري واجباً جهادياً بتكليف شرعي من ولي الفقيه في طهران.. وبات تشييع قتلاه من الجنوب الى البقاع مروراً بالضاحية الجنوبية علنياً.. وعلى رؤوس الأشهاد.. معلناً دفن "إعلان بعبدا" وسياسة "النأي بالنفس" التي لم يحترمها أحد، وان يكن بمستويات متفاوتة.
فالقتال والموت من اجل ان "لا تُسبى السيدة زينب مرتين".. صار واجباً جهادياً والخجل من "الجهاد" من أجل المقدسات "ممنوع"..
"الجهاد" في سوريا بدأ قبل أكثر من سنة. بدأ بالإنكار وانتقل الى مرحلة الدفاع عن الشيعة اللبنانيين في القرى الحدودية مع سوريا.. وتحول الى الدفاع عن النظام الأسدي بعد ان عجز الجيش السوري عن حسم معركة "القصير" من دون دعم حزب الله وفيلق القدس.. والجميع يعلم ان النظام السوري صامد فقط، بقرار إيراني ورعاية روسية..
ومن المعروف، ان حزب الله لا يقرر خوض المعركة في سوريا من دون أوامر من ايران.. حزب الله ينفذ ولا يقرّر.. وهذا القرار "الإلهي" إن دلّ على شيء فانه يدل على عجز النظام السوري عسكريا.. وكان لا بدّ من الإستنجاد بالحليف الإيراني عبر قوات حزب الله..
الم يقل السيد حسن نصرالله بعد زيارته ايران: "لسورية "أصدقاء لن يسمحوا بأن تسقط بيد أميركا أو إسرائيل أو الجماعات التكفيرية".. واليوم يؤكد ان "الصديق يوم الضيق" ولن يسمح بسقوط النظام بأيدي الشعب السوري "الكافر".. والعميل لاسرائيل واميركا..
ويبدو ان بشار الأسد يعرف تماما حقيقة السياسة الأميركية وهي التي رعت نظام "البعث" لأكثر من أربعين سنة ولذلك يقول: إن الأميركيين "يمشون في النهاية مع الرابح".. فيما روسيا "تعتبر معركة الدفاع عن دمشق معركة دفاع عن موقع موسكو ومصالحها" في المنطقة!!..
النظام السوري مدعوم من روسيا والصين وايران والعراق وحزب الله.. ومدعوم ايضا من خلال "ميوعة" وتخاذل الأميركي والأوروبي.. وعلى الثورة السورية و"الجيش الحر" مقاتلة القوات النظامية و"جبهة النصرة" والتكفيريين و"حزب الله" والحرس الثوري الإيراني و"شبيحة" النظام.. منفردا.. ومن دون دعم عسكري ومادي.. بانتظار تخطي النظام لـ"الخطوط الحمر"..!
وحزب الله، على ما يبدو مرتاح تماما، لجبهة الجنوب ويمكنه إدارة ظهره للعدو الإسرائيلي.. وهذا يذكرنا برسالة الإطمئنان التي نقلها هنري كيسنجر الى قادة اسرائيل والى الأسد الأب في العام 1976.. ووصول الجيش العربي السوري (قوات الردع) الى الجنوب اللبناني.. ولم يحرّك يومها العدو الإسرائيلي ساكنا.. فيما كُلّف النظام السوري بتأديب الحركة الوطنية اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية.. وتأمين استقرار جبهة الجنوب تجاه اسرائيل..
ولذلك حرص الاسرائيليون هذه المرّة على "طمأنة" بشار الاسد الى ان الغارة على سوريا لم تستهدف نظامه وانما كانت رسالة الى ايران وحزب الله.. "فقط".. واعتبر احد المسؤولين الإسرائيليين ان "ابرز القرارات التي اتخذها المجلس الوزاري هو طمأنة الاسد، منعاً لاستمرار التصعيد على الجبهة الشمالية"… ونقلت صحيفة "تايمز" البريطانية قبل يومين عن مسؤولٍ إسرائيلي تفضيل بلاده "بقاء بشار الأسد في الحكم، ومصلحتُها في استمرار القتال الداخلي في سوريا.. وروسيا، مثل إسرائيل، تتناسب مصالحها مع بقاء الأسد، ولذلك تدعمه عسكريا.. وان بقاء نظام الأسد المنهك هو الخيار الأنسب لإسرائيل وللمنطقة برمتها مقارنة بالثوار"..
وبالمقابل، فان الإسرائيلي والأميركي لا يُزعجه تدمير النظام "الأسدي" في سوريا.. ولذلك يطمئننا رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية مارتن دمبسي، ان الأزمة السورية تتطلب عقوداً طويلة لمعالجتها ووقف نزيفها، ما سيشعل نزاعات خطيرة في دول مجاورة وفي مقدمها لبنان والعراق.. وهذا أيضا يذكّرنا بالكلام الذي كان يسمعه اللبنانيون ايام حروبهم الأهلية من كيسنجر ومن كل المبعوثين الدوليين.. والسؤال: لماذا "جنيف 2"؟؟..
استماتة ايران وحزب الله للدفاع عن النظام السوري هدفه احياء "محور المقاومة" الممتد من إيران الى فلسطين مروراً بالعراق ولبنان.. والذي لم يكن يوماً ممانعاً.. وخسارة النظام السوري انما هو خسارة للهلال الشيعي.. هكذا يقولون..
نعم، حزب الله تخلى عن مقاومة اسرائيل وتحوّل اليوم الى حماية نظام الأسد القاتل لشعبه..
والسؤال، الذي يوجه اليوم الى حزب الله: النظام السوري الذي نكّل بالمناضلين السوريين وقتل الأطفال والشيوخ والنساء في سوريا.. وهجّر الملايين من الشعب السوري ونكّل باللبنانيين في عهد الوصاية وقتل واغتال خيرة رجالاتهم.. من كمال جنبلاط الى رفيق الحريري ورفاقهم.. هل يستحق هذا النظام الدفاع عنه وتقديم شباب لبنان ضحايا لبقائه.. وان يقتتل اللبنانيون من أجله وتعريض لبنان، كل لبنان، الى الفتنة؟..
وهل تستحق هذه المقاومة التي هزمت العدو الإسرائيلي ورُفعت راياتها في العالمين العربي والإسلامي، ان تنحدر الى قتال شعب شقيق يُطالب بهدم جدار الظلم والقهر وباسقاط السجن الكبير.. وهل يًكافأ هذا الشعب البطل الذي احتضن المقاومة وأهلها وفتح بيوته للنازحين اللبنانيين ابان حرب تموز 2006؟؟.. بقتله وذبحه في القصير..
وهل يستحق النظام "الأسدي" وصدور "التكليف الشرعي الالهي" من ولي الفقيه، التخلي عن المبادئ والتضحية بالأهداف النبيلة؟؟!!.. والتضحية باستقرار لبنان وشعب لبنان؟؟!!..
واللبنانيون يسألون أيضا وأيضا، لماذا لم ينبر حزب الله للدفاع عن المقدسات الشيعية في العراق.. التي انتهكت.. وهل "سبي" المقدسات في العراق يختلف عن "سبيها" في دمشق والقصير؟؟.. ام ان الحقيقة هي ان "الإفتاء" جاء لحماية النظام السوري وليس المقدسات؟؟.. علماً ان احداً لم يحاول التعدي على مقام السيدة زينب.. ويبدو انها حرب "استباقية" لحماية النظام!!.. وقد اعتدنا على الحروب "الإستباقية"..
شهداء الشعب والجيش السوري ضد العدو الإسرائيلي بالآلاف.. فيما ضحايا النظام بين شهداء ونازحين بالملايين.. فأية حكمة هي المقارنة بين القتلة، وايهما أدهى وأشد مرارة وضراوة على الشعب السوري قتل النظام لشعبه، وقتل الشقيق لشقيقه، ام جرائم العدو؟؟.. والجواب واضح..
والسؤال أخيرا، كيف سيُدرج حزب الله لائحة شهدائه في المستقبل؟ شهداء المقاومة ضدّ العدو الإسرائيلي، وشهداء 7 و11 ايار، و"شهداء" المقاومة ضدّ الشعب السوري!!.. وماذا سيكتب على صدور الضحايا؟؟.. ومكان وتاريخ "الإستشهاد"؟؟!!..
  

السابق
تسوية سياسية من أربعة بنود تُسابق الإنتخابات
التالي
زياد الرحباني… والكنيسة