الثنائي الشيعي يستعد لمرحلة تصادمية

بقطع النظر عما ستؤول اليه "اللعبة السياسية" التي يشهدها مجلس النواب منذ ايام فلقد صار الأطراف جميعاً على يقين أن ثمة مرحلة جديدة انفتحت ابوابها، وبالتالي يتعين على الجميع رسم حساباتهم على اساسها.
في رأي بعض اقطاب 8 آذار ان اللعبة بدأت منذ فترة وبالتحديد منذ استقالة الرئيس نجيب ميقاتي وان ابرز الفصول والمحطات المتحولة الدراماتيكية في هذه المرحلة تجسدت اخيرا فور عودة رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط من زيارته الاخيرة للسعودية وسريعاً، اذ بدا للمعنيين وخصوصاً في الثنائي الشيعي ان زعيم المختارة عاد من لقاءاته في الرياض وهو لا يخفي انه يتنكّب مهمة جديدة وانه يستعد لأداء دور مختلف.
وفي معلومات بلغت اقطاباً في الثنائي المذكور ان جنبلاط توجه عقب ايابه من العاصمة السعودية الى دارة المصيطبة مبلغاً سيدها بأن عليه السير في صيغة حكومية مقسمة على الثمانيات الثلاث الخالية من تمثيل لـ"حزب الله".
واكثر من ذلك، وفي آخر لقاء جرى بين ممثل "حزب الله" وفيق صفا ووفد الحزب الاشتراكي الذي كان في عداده الوزير غازي العريضي بذل اعضاء الوفد جهوداً مضنية بغية اقناع الحزب بالسير بالصيغة الحكومية التي يعرضها تمام سلام باعتبارها تحاكي "حكومة الوحدة الوطنية" التي طالب بها الحزب.
ولما ابدى الحزب اعتراضه التام على هذه الصيغة قال جنبلاط قولته الشهيرة المنطوية على نوع من الخروج عن مألوف تعامله مع الحزب بأن ثمة عقلاً مريضاً في فريق 8 آذار، وعليه فإن الرسالة عينها وصلت الى الحزب ووصلت في الوقت عينه الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي رد عليها مبدئياً بهجومه الشهير غير المسبوق على "الوسطيين". ولم يطل الامر لدى هذا الفريق حتى بدأ يتلمس معالم "الانعطافة" الجنبلاطية الجديدة ومعالم الدور الذي سيتصدى له.
ولعل أول مقدمات ذلك كله تبدى في الانخراط السريع لجنبلاط في "الحلف الثلاثي" الجديد لإسقاط مشروع "اللقاء الارثوذكسي" من خلال توقيع المشروع الذي أعد تحت عنوان المشروع "المختلط" بين النسبي والأكثري، والمنطوي بالنسبة الى هذا الفريق على "فضائح" يعرف الجميع انه لا يمكن أن يقبل بها بشكل أو بآخر.
وسواء كان "الحلف الثلاثي" الجديد الذي أنتج هذا المشروع، ظرفياً لمهمة حصرية ام انه فاتحة لمرحلة جديدة، فالاكيد أنّ ثمة "تدليلاً مفرطاً" لجنبلاط. فالمشروع يؤمن له ما لا يقل عن 16 نائباً، مما يوحي بأن زعيم المختارة بدا متحفزاً لمغادرة مرحلة العامين الماضيين، وهي التي توجت بلقائه الاخير والشهير مع الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في الضاحية الجنوبية.
في ذلك اللقاء رست الامور على معادلة شديدة التعقيد والحساسية تحتاج الى عناية خاصة لتستمر لدى طرفين يعيشان معاً فوق صفيح دائم السخونة من الهواجس والحسابات المتشعبة.
وقوام هذه المعادلة المعروفة ان جنبلاط في خياراته تجاه سوريا والاحداث فيها، اشترط استمرار وقوفه الداعم للمقاومة في الداخل بما يعنيه ذلك من موجبات داخلية تتصل بالحكومة وبالتحالفات الداخلية.
في ذلك الحين قال جنبلاط قولته الشهيرة امام دائرته الضيقة "لقد أخذت من نصرالله ما أريده وأخذ مني ما يريده وكلانا راضيان".
ومضى العامان، والمعادلة على حالها تعطي مفعولها رغم ان جنبلاط كان يبدي أحياناً كثيرة تبرمه وضيقه منها، خصوصا بعدما أخذت الاحداث في سوريا ما أخذته من اتجاهات حادة، واضطرار كل من جنبلاط والحزب الى الذهاب بعيداً في خياراتهما المتناقضة تماماً في الداخل السوري.
ومهما يكن من أمر، فإن ثمة من يرى انه إذا صحت التكهنات وبالتالي ثبت بالمطلق ان جنبلاط قرر نهائياً الانحياز الى تموضعه الجديد ووضع كل أوراقه في سلة التوجه الجديد حيال الشأن اللبناني والقائم حسب معطيات فريق 8 آذار، على الامساك نهائياً بزمام اللعبة السياسية اللبنانية وتصفية المرحلة الماضية، فإن ذلك يعني بالسياسة كسراً نهائياً لقواعد التفاهم السابق مع "حزب الله"، وبالتالي، اعادة عجلة الامور الى مرحلة ما قبل أيار عام 2008.
وهذا من شأنه أن يثير جملة تساؤلات لا تخلو من عناصر اثارة، وأبرزها لماذا ينحاز جنبلاط الى خيار آخر فيه احتمالات التصادم مع "حزب الله" في اللحظة عينها التي كشف فيها الحزب انخراطه التام في لعبة الكبار في المنطقة.
واستطراداً هل ان جنبلاط، بانعطافته الجديدة، بات على استعداد لتحمل تبعات ذلك على المستوى اللبناني، خصوصاً ان اللعبة في المنطقة كبرت الى حدود غير مألوفة، وصار لبنان احدى ساحاتها المحورية؟
وبالطبع ثمة من يرى المشهد من زاوية أخرى، وضمن احتمالات مختلفة، اذ يقول ان جنبلاط ما عاد من الرياض وشرع في انعطافته من دون ان يكون حصل على تطمينات فحواها مقولة راجت منذ فترة جوهرها ان "حزب الله" الغارق حتى اذنيه بالتفاصيل الميدانية في سوريا ليس بمقدوره الآن فتح "اشتباكات" داخلية أو على الاقل ليس من مصلحته فعل ذلك. وبالطبع ثمة من يرى بأن لدى جنبلاط القدرة على التخلص مما يمكن ان يكون مكلفاً له، وبالتالي القول "هذه هي حدود قدراتي وان الله لا يكلف نفساً الا وسعها". وفي كل الاحوال لا تخفي مصادر قيادية في الثنائي الشيعي انها تتلمس منذ فترة توجهاً مختلفاً من الجانب السعودي، في حين حل توجه مختلف كانت ذورته الصيغة الحكومية المعروضة والتي، في رأي المصادر عينها، ان سلام مستعد وفق قرار ليمضي فيها كما هي في الاسبوع المقبل، ولكن المشكلة ما زالت موجودة عند رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي أبلغ اخيراً من يعنيهم الأمر انه ليس على استعداد لرفع منسوب الاشتباك في البلاد على ابواب الصيف ومن اجل حكومة تصريف اعمال.  

السابق
خطة لسيطرة الأصوليين على المخيمات؟
التالي
«الزرقاوي» السوري والشغب الإيراني