لن يفترقا أبداً

انهمرت الدموع من عيون قادة حزب الله عندما شرع الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، في اول لقاء ثنائي بين الجانبين مطلع الثمانينات من القرن الماضي، في عرض فلسفة الشهادة والاستشهاد في الاسلام، واستفاض كعادته طوال اكثر من خمس ساعات في سرد وقائع من التاريخ العربي والاسلامي، الذي صنعه استشهاديون ولدوا من رحم الهزائم والخيبات التي تعرضت لها الامة.

كان اللقاء، حسبما روى احد الحاضرين، علامة فارقة في مسيرة الحزب الحديث النشأة الذي استطاع ان يصل بسرعة فائقة الى قصر الرئاسة السورية، بعدما كان قد قدم اوراق اعتماده القوية على مختلف جبهات المواجهة في لبنان، سواء مع اليسار اللبناني او مع القوات المتعددة الجنسيات التي كانت تسعى في تلك الفترة الى توفير مخرج لاسرائيل من المأزق اللبناني. لكن المفاجأة الاهم ان الوفد اللبناني، المعمم في غالبيته، أسرته شخصية الرئيس البعثي القومي العلماني الذي يتمتع بثقافة اسلامية معمقة، وبوعي خاص لفكرة الشهادة ودورها في تغيير مسار الامة وفي تحديد مصيرها..

بدا اللقاء كأنه تعميق لرابطة الدم بين النظام السوري وبين البيئة الشيعية التي كانت تدفع ثمنا باهظا للازمة اللبنانية على اختلاف اشكالها ومعاركها، وكانت تتطلع الى التحرر من الاحتلال الاسرائيلي والاضطهاد الفلسطيني والاستضعاف اللبناني، فوجدت ضالتها في قصر الرئاسة السورية الذي كان يبحث عن حليف جديد اكثر استعدادا ورغبة بالاستشهاد من اجل طموحات وافكار وخطط ابعد واعمق من الحدود اللبنانية، تستمد زخمها المادي والمعنوي من الثورة الاسلامية في ايران ومن الحركات الاسلامية الصاعدة التي كانت على وشك وراثة التيارين القومي واليساري في العالم العربي.

انتج ذلك اللقاء التأسيسي حلفا مقدسا ما زال ثابتا حتى اليوم، ولم يتزعزع ابدا جراء الحروب والازمات والتحولات التي مرت على البلدين، وكان احد اهم مكونات الارث الذي تركه الرئيس حافظ الاسد لنجله بشار، الذي لم يفرط به ابدا، بل سعى الى ترسيخه وتطويره اكثر مما فعل والده، متجاهلا جميع التحفظات والاتهامات التي وجهت الى ذك الحلف، باعتباره عائقا امام تحديث علاقات النظام السوري الوريث مع اشقائه العرب واصدقائه الاجانب.. وبصفته دليلا على تحالف مثير للجدل مع طهران.

التجربة اثبتت ان ذلك الحلف هو الاكثر قداسة من بين جميع التحالفات التي اقامها النظام السوري مع اي فريق لبناني. المعارك المشتركة التي خاضها الجانبان على مختلف الجبهات اللبنانية الداخلية والحدودية مع العدو الاسرائيلي، لا تدع مجالا للشك في جدوى ذلك الحلف ونجاحه في تغيير الكثير من المعادلات المحلية والاقليمية، من دون ان تكلف دمشق الكثير من الاعباء، بل حافظت على دورها الراعي للبنان وعلى موقعها الخارجي المؤثر. كان حزب الله بالنسبة الى ذلك النظام هبة من السماء، مثلما كان ذلك النظام ولا يزال عطاء إلهيا لا يمكن التفريط به بالنسبة الى الحزب وجمهوره الذي كان ولا يزال يستمد جميع اسباب القوة والمنعة من دمشق وحدها.

بناء على هذا التاريخ ، يبدو اليوم ان الذين استغربوا وما زالوا يستغربون تورط حزب الله في الحرب الضارية التي يخوضها النظام السوري على شعبه هم اما مستشرقون او رحالة اجانب، كما يبدو ان الذين طالبوا وما زالوا يطالبون الحزب بالانسحاب من تلك الحرب، هم اما واهمون او حالمون. لعل المثير للاستغراب فقط هو ان ثمة قوى شيعية حليفة لدمشق لا تشارك في المعارك وتنأى بنفسها عنها. وهو ما يمكن ان يوفر مخرجا للطائفة من تلك الورطة التي لم يسبق لها مثيل. وكل ما قيل عن جدل داخل الحزب وعن تململ بين جمهوره ازاء تلك الحرب ليس سوى خيال.

لم يكن الخطاب الاخير للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يمثل سوى ذروة الوفاء والولاء لذلك النظام الذي لم يفترق يوما عن الحزب ولا عن بيئته، وما زال يعتبرهما سلاحه الاهم والاقوى، خارج حدود سوريا، ومخزن المقاتلين الذين يلبون نداء الشهادة عندما يحين موعد المعركة الفاصلة. وهو قد حان اليوم.. ولا مجال للنقاش حول ميدان تلك المعركة او هوية المقاتل السوري الاخر الذين يبدي حماسة موازية للاستشهاد، من اجل نيل الحرية التي كان خصمه اللبناني على الدوام يطمح اليها.

لن يفرق بين النظام والحزب سوى الموت.

السابق
نصرالله غير المربك!
التالي
اخالف نصر الله فبشار سيسقط