كيف حَسَبَها حزب الله جيداً؟

لا يختلف إثنان على أن ما يجري في لبنان هو انعكاس للنزاع الدموي المتواصل في سوريا منذ أكثر من عامين، وان الوضع الامني يشكل الهمّ الأول للبنانيين، قبل قانون الانتخاب والمهل الدستورية لاجراء الانتخابات النيابية او تأجيلها.

وما يدور من نقاشات في غرف الاجتماعات السياسية يختلف عن الموقف والتصريحات الاعلامية في شأن أولويات المرحلة المقبلة، التي يمكن اختصارها بالآتي:

أولاً: معاودة الامساك بالوضع الامني الهش مع تخفيف حدّة الاحتقان المذهبي، خاصة في المناطق التي كانت مسرحا للفلتان وانتشار المسلحين وقطع الطرق بسبب او بلا سبب.

ثانياً: تجنّب تداعيات الحرب السورية على الداخل اللبناني خاصة وان لا دور اساسياً او حاسماً للقوى اللبنانية، المتدخلة في النزاع السوري او المتعاطفة مع احد الفريقين المتقاتلين.

والملف الأمني تحديداً، ومخاطر الاقتراب من مرحلة الانفجار، هو ما أملى تغييرا سريعا على مستوى السلطة التنفيذية في لبنان، وهو ما حقّق شبه الاجماع على تكليف الرئيس تمام سلام تشكيل الحكومة المقبلة، وهو ما سوف يحكم توازنات المرحلة المقبلة واتجاهاتها.

وهذا ما يفسّر ملاقاة "حزب الله" الرئيس نبيه بري وسائر القوى السياسية في تسمية الرئيس سلام، في خطوة ذكية يتوقع ان تليها خطوات في الاتجاه الايجابي ذاته.

لقد كان الحزب امام خيارين أساسين: إما ان يقبل نتائج سياسات المرحلة الماضية ورهاناتها وما آلت اليه، ويرتضي بالتالي دور شراكة، ولو محدودة ولا ترقى الى مستوى طموحاته في المرحلة المقبلة، وإما ان يرفض مسار التوجهات السياسية المستجدة ويواجهها بما أوتي من امكانات، وهي ليست قليلة ولا محدودة.

اعتمد الحزب البراغماتية السياسية، وحسبها جيدا. فهو لم يمانع رحيل الحكومة السابقة، فلماذا لا يفتح صفحة جديدة ويدخل شريكا في التركيبة المقبلة ما دام الهدف واحدا وهو احتواء الاحتقان المذهبي الذي كاد يطيح الأمن والاستقرار في البلاد، والحؤول دون ارتدادات النزاع الدموي على السلطة في سوريا الى الداخل اللبناني؟ وفي النهاية التقط الحزب الفرصة التي تحقق رغبته في تجنّب الفتنة والحرب الداخلية.

من هنا، ان الالتقاء بين فريقي 8 و14 آذار على تسمية الرئيس سلام هو تصحيح للخلل في موازين القوى المحلية ، على قاعدة المصلحة المشتركة في اعادة تعزيز خط الاعتدال على المستوى الوطني، ورفض لتسليم الساحة الى التطرف والعصبيات والتوتير الممنهج في غير منطقة، وبالتالي بديهي ان ينسحب المناخ التوافقي على تركيبة الحكومة وتسهيل مهمة الرئيس المكلف بخلاف ما يخشى البعض من ان يكون التكليف شيئاً والتأليف شيئاً آخر، على رغم ضخامة الملفات الخلافية وتعقيداتها.

اما في ما يتعلق بالانتخابات، فعلى رغم كل الحركة الناشطة والدفع الاعلامي لوضع قانون انتخابي جديد سريعا، فإن الهاجس الأمني لا يزال يخيّم على امكان اجراء الانتخابات ويهدّد باطاحتها.

السابق
حكومة سلام و”القرار الكبير”
التالي
علي عبد الكريم علي: الاعتداءات من لبنان وليس من سوريا