مسرح الدمى في الدوحة

دخلتِ الدمية قاعة المؤتمر معقودة الحاجبين ، عابسة الوجه، ملتوية القامة ، متعثّرة الخطوات ، تجرّ وراءها مجموعة من الدمى ، ويقودها حرس الشرف لجامعة الدول النفطية. حركة مسرحية بامتياز أخرجت بدقّة رغم طابعها الكوميدي.
وفي جوّ من الحماسة الزائفة، احتلّت الدمى مقعد الجمهورية العربية السورية ، فعلا تصفيق حارّ ما كنّا لنسمعه لو أنّ المقعد «الإسرائيلي» في الأمم المتحدة عاد إلى شعبنا الفلسطيني .
جملة من المشاعر اجتاحتني وأنا أراقب مشهد الاقتحام الزائف لمجموعة تحرّكها خيوط الكاراكوز : تطلب منها الدخول فتدخل ، تأمرها بالجلوس فتجلس، تملي عليها نصوصاً جاهزة فتقرأها ، تستبدل علم بلادها المصنوع من شقائق النعمان بعلم مطرّز بتاريخ الانتداب فتقبله .
من جملة ما شعرت رغبةٌ في التقيّؤ ، إذ كيف يمكن لهذه المسرحيّة أن تمرّ من دون أن ينسحب فريق عربيّ واحد من المؤتمر ؟ بقاؤهم في القاعة هو موافقة كاملة على مصادرة مقعد الجمهورية العربية السورية في جامعة الدول العربية . لكن يبدو أن صور الشيكات كانت جاهزة للتشهير بأيّ دولة عربية قد تسعى إلى تدمير مسرح الدمى على رؤوس صانعيه .
إلى جانب الشعور برغبة في التقيّؤ ، رافقني شعور بالفرح . فمقعد سورية في جامعة يقودها الأعراب ( والأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً ) ، صار من الضيق بمكان لا يليق ببلد حضاريّ ومقاوم كسورية . فإمّا أن تعود جامعة الدول العربية إلى عروبتها ، وإلى حجمها الطبيعي ، وإلى دورها الحرّ في مواجهة أعداء الخارج والداخل ، أو تبقى سورية خارجها . لندعْها تختنق وحدها .
وشعرت برغبة في البكاء ، فكلّ هؤلاء الملوك والأمراء والرؤساء يعقدون مؤتمراً إثر مؤتمر لمعاقبة سورية ، ولتدمير سورية ! وكأن اليهود لم يحتلّوا أراضينا ، ولم يشرّدوا الملايين، ولم يرتكبوا المجازر ، ولم يدنّسوا الحرمات ، ولم يصادروا ثرواتنا .
والله تمنّيت ، ويوم الأرض بعد ثلاثة أيام من مؤتمرهم التآمري ، أن يشيروا إليه بكلمة ! لكن أنّى لهم ذلك وهم على غفلة منه ، وهم لو سئلوا عمّا جرى في ذلك اليوم لأعياهم الجواب .
يحضرني الآن ما قاله عمر أبو ريشة لملوك العرب ورؤساهم يوم اجتمعوا في المغرب لمعالجة نتائج حرب حزيران المدمّرة:
خافوا على العار أن يمحى فكان لهم
على الرباط ، لعقد العار مؤتمرُ.

السابق
تمديد للمجلس وَسط تصريف أعمال
التالي
برّي: “وجعتولي راسي”