ميقاتي عائد بتوافق داخلي ورعاية خارجية

تتقاطع مواقف الأفرقاء السياسيّين منذ استقالة الحكومة على الاستعداد للجلوس إلى طاولة الحوار، وعلى تأليف حكومة جديدة من حيث المبدأ، ولكنّهم لا يتحدّثون بعد بالتفصيل عن طبيعتها وقواعد التمثيل فيها، في انتظار تسمية من سيؤلّفها ومواصفاته.

ومن الواضح أنّ فريق 14 آذار الذي تلقّف استقالة ميقاتي بإيجابية ولم يتصرّف على أساس أنّها "انتصار" لأنه كان قد رفع شعار إسقاط الحكومة منذ تأليفها. ذلك أنّ هذه الاستقالة جاءت بناءً على قرار ميقاتي وبمعزل عن أيّ ضغوط، حسبما أكّد الرجل، وإن كان البعض يربطها بـ"توافقات" معينة داخلية وإقليمية ودولية تستند الى اقتناع بأنّ طبيعة المرحلة المقبلة تفرض تأليف حكومة جديدة تليق بها.

وفي انتظار ان يحسم الأفرقاء السياسيون خياراتهم في شأن تركيبة الحكومة العتيدة رئيساً ووزراء، وهذا الحسم يُفترض ان يتمّ في مهلة اقصاها صباح الثلاثاء المقبل، حيث ستبدأ الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلّف، فإنّ هناك تلاقياً في المواقف بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي ورئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط، وحزب الله والتيار الوطني الحر على تأليف "حكومة إنقاذ"، أو "حكومة وحدة وطنية".

وفي المقابل فإنّ فريق 14 آذار منقسم بين مؤيّد لحكومة الإنقاذ (الرئيس امين الجميّل وحزب الكتائب) ومؤيّد للحكومة الحيادية (تيار "المستقبل" و"القوات اللبنانية").

ويقول بعض السياسيين المعنيين إنّ خيار الحكومة الحيادية يمكن اللجوء اليه اذا حصل اتفاق على قانون انتخابي جديد لإجراء الانتخابات النيابية على اساسه قريباً، ولكن هذا الاتفاق الآن متعذّر لأسباب متعددة، الأمر الذي يرجّح كفّة خيار "حكومة الإنقاذ" أو "حكومة الوحدة" التي تستطيع مواجهة تداعيات الأزمة السورية وكلّ ما يجري في المنطقة.

لكنّ هؤلاء السياسيين يرون انّ موقف جنبلاط سيكون "بيضة القبّان"، فحيث سيميل ستكون الاكثرية التي ستؤلّف الحكومة الجديدة، والمؤشّرات حتى الآن تدلّ الى انّ الرجل لن يتفرّد بأيّ موقف، وإن كان فريقا 8 و14 آذار في حاجة اليه، ولذلك ابلغ الى بري انّه ينسجم معه في الموقف من موضوع تسمية رئيس الحكومة الجديدة، فردّ برّي التحية بمثلها.

بيدَ أنّ البعض يرى أنّ الموقف الذي سيتّخذه جنبلاط سيكون مؤشّراً، ليس على مستقبل الوضع الداخلي فقط، وإنما على مستقبل الوضع السوري، فإذا مال جنبلاط الى فريق 14 آذار فإنّ ذلك سيعزّز المخاوف السائدة من انّ الأزمة السورية ستشهد في خلال الشهرين المقبلين تصعيداً واسعاً ضدّ النظام في ضوء زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الاخيرة لإسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية والاردن. أمّا اذا ظلّ جنبلاط في موقعه الوسطي متحالفاً مع فريق 8 آذار، وغير بعيد عن فريق 14 آذار، فإنّ ذلك يعني انّ الأزمة السورية ذاهبة الى حلّ سياسي.

وفي هذه الحال تكون نتائج زيارة اوباما ومفاعيلها من ضمن التهيئة لذلك الحلّ الذي يمكن تدشينه في لقائه المرتقب في حزيران المقبل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. وفي حال أعاد جنبلاط تسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة الجديدة، وهذا ما هو مرجّح حتى الآن، فإنّ ذلك يعني أنّ فريق 8 آذار وحليفه عون سيسمّيان ميقاتي أيضاً.

على انّ مستقبل الوضع الداخلي سيتحدّد في ضوء الخيارات التي سيتّخذها فريق 14 آذار ومدى استعداده للمشاركة في "حكومة وحدة وطنية" في حال لم يلتحق جنبلاط به مجدّداً، متخلّياً عن مطلبه تشكيل حكومة حيادية.

وفي الوقت الذي لم تصدر أيّ اشارات واضحة عمّا سيكون عليه موقف الرئيس سعد الحريري ومدى استعداده وفريقه للبحث مع الفريق الآخر في حكومة وحدة وطنية، فإنّ أحد نواب تيار "المستقبل" يؤكّد أنّ الحريري ليس مرشّحاً لرئاسة الحكومة الجديدة، وأنّ التيار لا يحبّذ "حكومة الوحدة الوطنية" ما لم تعالج مسألة سلاح حزب الله، وأنّه يحبّذ تأليف حكومة حيادية ينبغي على الأفرقاء السياسيّين أن يتفقوا على رئيسها مع الحريري شخصياً وليس مع ايّ شخصية أُخرى في تيار "المستقبل"، وأن تضمّ شخصيات تكنوقراط وتكون مهمّتها الأولى إنجاز الاستحقاق النيابي قانوناً وانتخابات.

وفي المقابل يتوقّع مرجع سياسيّ إعادة تكليف ميقاتي لاستحالة نفاذ خيار الحكومة الحيادية التي يُرشّح لها أسماء عدة تتداولها الأوساط السياسية هذه الأيّام. ويتحدّث هذا المرجع عن "تفاهم داخليّ ورعاية إقليمية ـ دولية" على عودة ميقاتي، ويستبعد إجراء الانتخابات في موعدها في 9 حزيران المقبل، مؤكّداً أنّ الخطوة المنتظرة الأسبوع المقبل ستكون الاستشارات لتسمية رئيس الحكومة العتيدة، تليها حركة سياسية نشطة في مختلف الاتجاهات لتمديد ولاية مجلس النواب سنتين، ومن ثمّ يشرع الرئيس المكلّف في استشارات التأليف على أن تكون أولى مهمات الحكومة إنجاز قانون انتخابي جديد يمكن أن يكون وفق روحية مشروع برّي، لإجراء الانتخابات قبل انتهاء ولاية المجلس الممدّدة إذا تسنّى ذلك.

السابق
بلدية النبطية أحيت عيد سيدة البشارة
التالي
وفدان من فتح وحماس بالقاهرة لبحث المصالحة