كي لا نخسر وطناً آخر

يتبارى معظم وسائل الإعلام في نقل أخبار الدمار والخسائر التي يلحقها النزاع الدائر بين قوات النظام السوري والمجموعات المعارضة المسلحة ومن ضمنها الجيش السوري الحر. الضحايا تحولوا إلى أرقام ترد في لوائح مراصد انتهاك حقوق الانسان وفي بيانات طرفي النزاع. تنقل وسائل الإعلام وجهات نظر الطرفين، وماذا يريد كل طرف من الآخر، إلا أن أحداً لم ينقل ماذا يريد الناس العاديون، أبناء الشعب السوري.

تنشر وسائل الإعلام اخبار تظاهرات تسير هنا وهناك، وكل طرف من الطرفين يدعي أنها تؤيد وجهة نظره، و تنظم وسائل الإعلام حوارات بين ممثلي النظام ومعارضيه، إلا أن أحداً لا يسمع ماذا يريد الناس. وإذا نقلت وسيلة إعلامية لقاءات مع مدنيين فيكون تعليقاً على مقتل أحد أفراد عائلاتهم من دون الخوض بما يريدونه من طرفي النزاع المسلحين.

اقترحت على مسؤول تحرير إحدى المجلات ، أن اعد تقريراً عن ناشطين ضد الحرب في المجتمع المدني السوري، كان جوابه مختصراً :"هذا الموضوع ليس مهماً بالنسبة لنا، يمكنك إعداد تقرير عن النازحين والمساعدات التي تقدم لهم والاحتياجات المطلوبة، ليس أكثر. استمرار الحرب، يعني استمرار استثمارها في المجالات كافة، وهي وسيلة لتسجيل "خبطات" إعلامية للبعض. من دون الالتفات لمحاولات البعض المحافظة على النسيج الاجتماعي للشعب السوري.

إحدى الناشطات السوريات تتحدث عن تجربة في إحدى قرى ريف دمشق، حيث نزح الكثيرون. تروي قائلة :" في مكان النزوح نساء فقدن أولادهن في دورة العنف في سورية، كنا نحاول التخفيف عنهن. كانت والدة أحد القتلى تنظر إلى والدة قتيل من جانب آخر وكأنها عدوة لها. ناقشنا مطولا" مع السيدتين وبعد فترة توصلتا الاثنتان إلى أنهما ضحيتا العنف الدائر وأنهما خسرا اغلى نا عندهم كما يبدو كأنهما سيخسران الوطن.

قوات النظام تدمر كل شيء دفاعاً عن موقع رئيس الدولة بصفته حامي النظام، وقوات المعارضة المسلحة تدمر أيضاو لا شيء يجمع مجموعات المعارضة سوى القتال من أجل إزاحة الشخص. المشكلة أن الخاسر سيكون الشعب في كلا الحالين، إذا ربح النظام سيكون استبدادياً أكثر، وإذا ربحت المعارضة سيبدأ صراع بين مكوناتها حول السلطة . وسيطرح سؤال : هل سيبقى الكيان السوري كما هو ؟

عام 1948 خسرنا معظم فلسطين وأقيم الكيان الاسرائيلي، وعام 1967 خسرنا ما بقي من فلسطين. والنظام العربي تحمل مسؤولية ضياع الوطن الأول، وفي عام 1975 وبسبب امتيازات البعض نشبت حرب طائفية في لبنان دفع ثمنها الشعب اللبناني بكل مكوناته، وانتهت الحرب بعد أن تحول الوطن اللبناني إلى كونفدرالية طوائف غير معلنة. فخسرنا الوطن الثاني، وفي عام 2003 وبسبب السياسة الاستبدادية لنظام صدام حسين ومطامع الولايات المتحدة الأميركية، أعلنت الحرب على العراق، فاستولت واشنطن على النفط وتحول العراق من دولة واحدة إلى 3 دويلات : كردية، سنية وشيعية. وانغمست في حروب أهلية يبدو أن لا قعر لها وتحولت السلطة إلى ترويكا غير متساوية الأضلاع مفتوحة على النزاع. فخسرنا الوطن الثالث. وإذا كانت الأحداث الاجتماعية السلمية التي بدأت عام 2011 في سوريةهي احتجاجات محقة، لكن تحول المعارضة إلى طرف مسلح من دون أفق سياسي مفتوح على دولة مدنية ديمقراطية علمانية ، فإن الوضع يؤشر إلى إمكانية خسارة الوطن الرابع.

فهل تنجح محاولات المجتمع المدني السوري بحمايته؟

السابق
قنبلة في عين الحلوة ولا إصابات
التالي
حزب الله شيّع شاباً قتل في سوريا