قصص الشهداء والجرحى والأسرى في غزة.. حقائق غريبة ومؤلمة

سُئلتُ في غزة أن كنت أرغب في التعرّف على امهات الشهداء الغزاويات، فاستحيت من أن أرى الحزن في أعينهن، وحاولت ان اتنصل من اللقاء، لكن شغف اللقاء بمن تضع وليدها انطلاقا من مقولة جبران خليل جبران (اولادكم ليسوا لكم اولادكم ابناء الحياة).. اخترت والدة الشهيد شادي كحلوت، ووالدة الشهداء من آل دحدوح العشرة.

والدة الشهيد شادي كحلوت
تروي والدة الشهيد شادي كحلوت قصة ابنها فتقول:" استشهد شادي بعمر 23 سنة خلال عملية استشهادية داخل الاراضي المحتلة. في البداية لم أكن اعلم انه مجاهد في قسم سرايا القدس وهي امتداد للقوى المجاهدة".
وكان عمره 16 سنة حين انطلق للعمل الجهادي، وهو شاب قوي مجاهد ملتزم بالمساجد، وحافظ للقرآن، وكان بارا بأمه وأبيه. وهو الثالث بين اخوته، وهو الذي سُجن عند حركة فتح بعد عملية (بيت ليد) لمدة 5 اشهر.
وكان الشهيد قد اعتقل لثلاث مرات. وآخر مرة افرج عنه مع انور سكر. ذهب في المرة الاولى على نيّة الشهادة لكن لم تكتب له. وفي المرة الثالثة قصد فلسطين المحتلة حاملا 15 كيلو غراماً من المتفجرات، دخل الى مستوطنة كيسوفيم، اوصله الدليل ولكن هذا الدليل كان عميلا واخبر عنه، فاغتالته رصاصات الصهاينة قبيل وصوله الى المكان.
تتابع أم شادي: "قبل استشهاده باسبوع اردت تزويجه، فذهبت افتش له عن عروس ويوم استشهاده كنت قد تعرفت على فتاة تناسبه، علما انه قد طلب مني ان ادعو له بالشهادة".
"كنت في المنزل حين جاء من يخبرني ان "شادي قد أُصيب" ولكني وبشكل مباشر دعوت له بالشهادة لانه كان يتمناها".
وتعود بالذاكرة الى مرحلة ما قبل استشهاده فتقول:" مرّت الويلات على شادي في سجن السلطة، كان ابني الشهيد محفِّظاً للقرآن، وامام مسجد، ومسؤولاً عن رياض قطاع غزة، ومنشداً مسرحي. مع العلم ان جميع اعضاء فرقته استشهدوا وكانوا يطلقون على انفسهم فرقة الشهادة".

والدة الشهداء: أم أيمن دحدوح
والدة فقدت خمسة من أبنائها اغتيالهم عبر طيران العدو الصهيوني.. ماذا يمكن ان تتوقع أن تكون أحوالها؟
هذا ما جال في بالي قبيل وصولي الى منزلها. عند مدخل البيت الواسع التقيت بامرأةٍ جبل، امرأة ذات عز، قوية، مبتسمة، قليلة الكلام، جليلة، يطيعها الاحفاد والابناء، هادئة، وقورة.. سعدت بلقائها وبحديثها وسألتها عن سرّ صبرها؟ فقالت ان "الشهادة كُتبت علينا".
تربيّ أحفادها الاربعة الصغار كأم وأكثر، شدتني من يدي وأخذتني الى حيث ينامون في اسرّتهم. انهم أطفالها الجدد بعد استشهاد ابنها ورحيل كنتها.
نادتهم بصوت خافت فحضروا جميعهم لأتعرّف عليهم، لاحظت ان أحدهم شديد الحياء. اعتصرني قلبي ألما على هؤلاء الاطفال الذين لا يتعدى عمرهم العاشرة من السنوات. لكن البسمة تعلو ثغرهم البريء.
بعد جلسة مطولة تبادلنا فيها الحديث، ودعتني ام أيمن متكئة على عصاها باسمة، خرجت من منزلها وصورتها لا تفارق خاطري. لقد شدتني بشخصيتها الجذابة.
في ديوانية آل دحدوح تعلو الصور الجدران، وبحجم كبير. وهذه الديوانية التي تقام مجالس العزاء فيها لعائلة تآخت مع الشهادة.. عشرة ابناء من آل الدحدوح يرتفعون شهداء الى الباري تعالى واحدا تلو الاخر بالاغتيال عبر الطيران الصهيوني.
ماذا تريد اسرائيل بعد من آل الدحدوح؟ تريد منهم ما تريده من كل ابناء فلسطين. هذا كان جواب ام الايتام الاربعة.

أبو البراء: جريح (السماء الزرقاء)
الجريح (أبو البراء) يروي قصته بنفسه، فيقول: "أنا جريح (السماء الزرقاء) اي ما يُعرف لدى حماس بـ(حجارة السجيل)، ولدى الكيان الغاصب بـ(عامود السماء). أصبتُ مباشرة بصاروخ اسرائيلي خلال مواجهة الصهاينة وغرقت بدمي، حضرت الاسعاف نقلت الى المستشفى وبقيت لمدة 50 يوما لم يدخل جوفي إلا السوائل.
أصبت بكسر في فكي، أجريت لي عملية اولى، وبعد شهر عملية ثانية في الرقبة في احد مستشفيات غزة حيث تم تركيب شريحة معدنية وبقيت الشظايا داخل الجسم مع كسر باليد وشظايا تطال كل جسمي الجريح.
ويتابع: "خرجت من المستشفى في اليوم الأخير للحرب، ولكني عدت الى المستشفى مباشرة، ومكثت فيها مدة اسبوع كامل. وتبين ان الاصابات هي نتيجة مواد فوسفورية تعذّر اكتشافها من خلال صور الأشعة، وكانت هذه الشظايا تنتشر في وجهي بكثرة ولم يتم اكتشافها إلا بعد إجراء سبع صور.
هذه الشظايا الفسفورية تحمل موادا كربونية لا تظهر بسهولة. ولو لم يكن الطبيب متميزاً لما اكتشف ذلك.
ويروي أبو البراء قصة شهيد مؤلمة لكنها يجب ان تروى عن شاب من آل الدحدوح أصيب في الحرب الأخيرة كما أبو البراء، لكن لم يتم اكتشاف الشظايا الكربونية وقد أخرج من المستشفى لكن الشظايا توطنت في جسده وتآخت مع اللحم حيث استشهد بعد شهر من إصابته.
انطلاقاً من هذا الواقع المأساوي المؤلم يناشد أبو البراء، الأب لثلاثة أولاد، والعاطل من العمل، ومع ذلك يتوجب عليه دفع إيجار منزله البالغ 200 دولار شهرياً في حيّ متواضع.
يناشد الجمعيات الصحية أيضاً لمساعدته في اكمال علاجه علماً أن لا أحد يساعده ولا حتى حكومة الرئيس إسماعيل هنية إذ أنها لا تساعد إلا (جماعتها) على حد قوله. ويضيف: "رغم أنني جريح مقاومة لا يساعدني أحد".
ويضيف شارحاً "أكبر مشكلة نواجهها هو أن القوافل التي تأتي تسلّم المساعدات لحركة حماس، ولكن لمن توزّع هذه المساعدات؟ نحن لا نرى منها شيئاً. وأين ذهبت الـ 400 مليون التي تبرعت بها قطر؟
فأبو البراء، الذي استنجد بي لإيصال صوته وهو المهدد بفقدان سمعه ونطقه بسبب الكربون الذي دخل جسمه كلياً، يحتاج "إلى سماعة في أذنه اليسرى كونه لا يسمع بها، إضافة إلى الشظايا التي تغطي كامل جسده، وعدم قدرته على تناول الطعام، وكان لتركيب فكين أعلى وأسفل الفم قد منعه من تناول أي شيء سوى السوائل وهو على هذه الحال منذ إصابته".
ويختم: "حماس سفرّت جميع جرحاها، ولم نعرف بأية مساعدة، وفتح رفضت تسجيلي كجريح وقالوا لي: "لتسجيلك يجب أن يتقطع جسدك قطعاً، أما إصابات الشظايا فلا.. علماً أن الحرب خاضها جميع الأطراف وجميع الجهات وأولهم حركة الجهاد الإسلامي".
صرخة جريح أطلقها وطلب نقلها علَّ من يسمع.

هل تعلم؟
عمود السحاب
أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي على عمليتها العسكرية وعدوانها تجاه قطاع غزة اسم "عمود السحاب" وهي باللغة العبرية "عامود هاعنان" فهي عبارة مستوحاة من عبارات توراتية تتعلق بضياع اليهود في صحراء سيناء وعلى شواطئ البحر الاحمر لمدة 40 عاما حين عاقبهم الرب، وتترجم باللغة العربية الى "عمود السحاب" في اشارة الى الضياع.

السماء الزرقاء
أسمت سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الاسلامي عملية قصفها للمدن الإسرائيلية باسم "السماء الزرقاء" وهي دلالة على أن عمود السحاب لن يغطي سماء القطاع ليرتد عليهم ظلاماً سرمداً وهو اسم له دلالة لبشرى أفول ليل الظلم لتحل أضواء الحرية.

حجارة السجيل
أما كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) فقد أطلقت على هذه العملية "حجارة سجيل" وهي لفظة مأخوذة من آيات القرآن الكريم كناية عن رجم الاحتلال بأعتى واشد الصواريخ فتكاً.

  

السابق
الخارجية الأميركية: نحث لبنان وقادته إلى الوفاء بالتزاماتهم في اجراء الانتخابات
التالي
مسؤول إيراني: خامنئي الآمر الناهي في التفاوض مع أميركا