طرابلس ولغة الملح

ما كان ينقص المناخ الفتنوي الفالت والداشر في هذه الأيام، إلا صرخة هسترية كتلك التي خرجت بالأمس من طرابلس والتي توعّد صاحبها ومطلقها أهل المدينة بشيء غير مألوف في الجولة المقبلة من النزاع المفتوح فيها!.
زرعت الوصاية السورية المديدة الحنظل وهذا حصادها العلقمي!
قبلها، يستطيع أيّ كان، أن يدّعي عن حق، أن طرابلس في كل تاريخها لم تكن تعاني (بهذا القدر) من المشكلة المذهبية المتفجّرة راهناً. ولم تكن تختلف في شيء عن سائر المناطق والدساكر التي مرّت عليها الحرب الأهلية في بداياتها وأقامت عند تخومها وليس في داخلها، بل هي بدت في المرحلة الأولى التي سُمّيت "حرب السنتين" وكأنها منخرطة في النزاع تبعاً لجغرافيتها و"طبيعة الأمور" أكثر من أي شيء آخر. ولذلك ربما، أمكن فيها بسهولة أكبر من غيرها، حصر تبعات المواجهة المسلحة مع الخارج الزغرتاوي أساساً، ومن ثمَّ الوصول الى طمس تلك المواجهة تمهيداً لشطب جبهة الشمال من خريطة الحرب الأهلية في الإجمال.
في المرحلة التالية لدخول القوات السورية، شهدت المدينة ولادة استطرادات فتنوية غير مسبوقة. وجرى استخدام حيثية التمايز باتجاه عدائي وليست تسووياً. وانقسامي وليس ائتلافياً. وتمكنت سلطة الوصاية، بهذا المعنى، من مدّ "مناخها" السوري الداخلي الى طرابلس.. عمّرت الفرن وشرعت في استخدامه بحطب بشري مديني وأهلي وعام! وحوّلت للمرة الأولى بوضوح ومباشرة، الانتماء الديني العقيدي الى وظيفة سياسية أمنية تامّة.
أكمل وارثو الوصاية، وحاملو "أمانتها" وسياستها ونهجها المهمة التوظيفية الأولى تلك. وطوّروا نواحي الاستخدام تبعاً لمنحاهم الدارج في كل لبنان.. والآن في سوريا – :
كل شيء قابل للاستخدام بما فيه الفتنة نفسها. العدّة متوافرة. والسلاح أطنان. والبيان جاهز. وهذا، يُعنون تحت خانة "حماية المقاومة" تارة، وتحت خانة "حماية سلاحها" طوراً.. وصولاً الى "حماية" سلطة الأسد والقتال في صفوفها. والعمل وفق برنامجها الذي يتضمن إشعال الحرائق في لبنان والتهديد بتفجير العراق (أكثر!) وغيره.
في الصورة السوداء هذه يلعب الجاني دور الضحية. والمفتري دور المضطَّهد. والأصولي المذهبي دور المحذّرمن مخاطر السلفية التكفيرية! وبلغة تشبه لغة سيرغي لافروف نفسه!.
لغة "الممانع الأول" في طرابلس، مستقاة من لغة أمّ، هي تلك التي وردت تحت سياق "لا تجرّبونا".. لغة العدم ورمي الملح على الجرح، التي لا تَعِد أهلها إلاَّ بخراب، أين منه خراب "نزهة حرب السنتين" تلك؟

السابق
في ذكراها الثامنة، كيف سقطت 14 آذار؟ 
التالي
الحريري ينتقم من الجميّل