احذروا ما بعد عرسال!

سواء كان عصيانا مسلحا على الجيش او فخا دبر بليل ملتبس او مجرد صدام فوضوي فجر غرائز مخيفة، فان الاخطر من كل ما قيل في مواجهة عرسال انها قد تشكل عنوانا لمقدمات او افتعالات امنية تطل على لبنان في عز "اختناقه" باستحقاقه الانتخابي غير المحسوم.
تشبه هذه المواجهة بظروفها وملابساتها واستهدافاتها المحتملة فصول الاغتيالات السياسية تماما. غالبا ما كان الاغتيال ينجح ليس في تصفية الهدف فقط بل في تعميم مجموعة اهداف سياسية وامنية مع الضحية، فتضيع الوجهة الدقيقة وتعم الفوضى. وفي "حالة" عرسال ومواجهتها الاخيرة ثمة شبهة كبيرة في ان تكون شرارة لشيء ما لن يقف عند حدودها، ولو قيض للجيش والدولة والقوى السياسية النجاح في احتواء ما حصل وتوقيف القتلة.
هذه الواقعة الدامية الصادمة تستلزم ما تعجز عنه غالبا الدولة اللبنانية، اي الكشف الفوري السريع عن الحقائق، شرط ان تكون حقائق مجردة صافية غير مزغولة كما هي بكل فظاعتها. ما يثير فائض الذعر في استهدافات الواقعة ان الجيش نفسه تدخل لمنع تفشي وقائع مصورة وعدم اباحتها امام الاعلام التقليدي ومواقع الاتصال الاجتماعي. فماذا تراها حملت واقعة عرسال من الفظاعات التي عرف كثيرها "شفهيا" وحيل دون امتداد مضاعفاتها بالصوت والصورة؟
لا يحتمل الامر انتظارا طويلا لتحقيق شفاف متجرد وسريع لان البلاد تقف عند حبل مشدود فوق هوة سحيقة. طرف موصول على استحقاق انتخابي "برسم" نقل البلاد من ضفة الى ضفة، وطرف آخر موصول بحريق الازمة السورية المقبلة على اغراق لبنان بمزيد من الكوارث. وبين هذا وذاك لا مكان في ادبيات القوى اللبنانية جميعا، رسمية او سياسية، للالتفات الى حدود سائبة تسخر كل يوم بكل الاساطير والاناشيد اللفظية عن "النأي بالنفس" او "الحياد" او "التحييد". اي حياد او نأي بالنفس واللبنانيون لا يعلمون حتى الان الصلة الحقيقية بين الدماء التي سالت في عرسال والازمة السورية او انها كانت "مجرد" مواجهة بسبب توقيف مطلوب ومقتله؟ وهل هي فعلا آفة المربعات الامنية المستشرية والمتسعة التي يدفع الجيش ضريبتها، ام نتيجة شيء آخر حصل يجهله الجميع؟ ولماذا في هذا التوقيت؟ وماذا وراء هذه الوحشية التي املت منع نشر ما امكن تصويره في "ميدان" المقتلة؟
لعل الاخطر والابعد من كل هذا ان يبدأ التوظيف السياسي على غاربه لاستنفار مزيد من العصبيات فيما تدبر افتعالات اكبر واخطر على غرار حرب الاغتيالات تماما. لن تكون حينها انتخابات مؤجلة سوى الضحية الاقل ثمنا قياسا ببقية اهداف اللائحة!

السابق
الضاهر: مبادرة الحريري الانتخابية تكبر لبنان ودوره في المنطقة والعالم
التالي
الصليب الاحمر تسلم معدات طبية من الكتيبة الكورية في صور