انتخابات بلا سلاح سلاح بلا انتخابات!

إذا كانت 14 آذار (أو بعضها) ترفض قانون النسبية بحجة هيمنة سلاح الوصايتين: الإيراني مع حزب الله، والسوري مع التنظيمات الموجودة في المدن والمناطق، فهذا يعني بالنسبة إليها ان النتائج التي ستسفر عنها مثل هذه الإنتخابات وفي ظل هذا السلاح (المشهور على اللبنانيين)، لن تكون حرة، ولا نزيهة، ولن تؤدي إلى قيام مجلس نواب يُعبّر عن مجمل الارادات الوطنية والطائفية، ولا اكتسابه شرعية: ففي ظل السلاح لا نسبية!
عال! لكن، وهل يعني ان القوانين المتبقية من الستين إلى "المُفرزل" فإلى الدوائر الصغيرة.. فإلى وإلى، تضمن، وفي ظل هيمنة السلاح المذهبي والحزبي أن تؤدي إلى نتائج تعكس فعلاً نجاح العملية الانتخابية من جهة، ومفاعيلها ثانياً في البرلمان او في الحكومة؟ ونظن أن أي انتخابات وفي ظل أي قانون (ومن مجلس الشيوخ)، من المتعذر ان تعيد تماماً إلى الحياة السياسية (التي عطلها سلاح الوصايتين على امتداد أربعة عقود)، أو تفتح المجاري التحاورية، والتشاركية، والديموقراطية، أياً كان الرابح. فإذا ربح حزب الله و8 آذار.. فيعني أن بعض المراحل الانقلابية التي بدأت عملياً في 7 أيار ستستمر في استكمال التمكن من المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية… والإجتماعية والاقتصادية. وكأن مبدأ لا قانون يعلو فوق قانون السلاح سيبقى هو الأساس. وسيبقى شعار "لا صوت فوق صوت المعركة" "صيّاحاً" (لا في الجولان بالطبع، ولا في الجنوب)… بل في صميم اللعبة السياسية التي ستسقط بهذه الذرائع التي عرفناها طويلاًَ مع كل "أحزاب الله" التي "هبطت من أروقة السفارات والأنظمة علينا، في مسميات "المقاومة" أو جبهات "الصمود والتصدي"… أو "دول الطوق" وهذا يستتبع تجديد صلاحيات الوصايات ليبقى البلد أسيرها، وعبدها، وجزءاً تفصيلياً من استراتيجياتها!
ونظن أن هذه التجاذبات والمناورات والاقتراحات عبر تضارب مشاريع القوانين، ليست أكثر من تتالي القضاء على كل ما هو سياسي في لبنان. أي كل ما هو تشاركي بين المجموعات. أي كل ما يمت إلى تاريخ البلد ومستقبله وهذه الملامح مرشحة للتجذر حتى بعد الانتخابات. فما يدور منذ عدة أشهر، بين الكُتل والأطراف بين مجلس النواب ولجانه، وبين بعض القيادات، ورجال الدين من هنا وهناك ليس له أن ينتمي إلى أي حيوية سياسية، أو حتى اجتماعية. بل ان ما يجري هوتفريغ ما تبقى من ارث سياسي وفكري، ونزع كل ما يرتبط بتطور العلاقات بين هذه الكتل، وبين الناس وبين الطوائف. انها ممارسات "اللاتاريخ" بما تحمل هذه العبارة من عدمية، وتخريب واعدام العلاقات بين المجموعات البشرية والأقوام والجغرافيا والمسارات والتراكمات. فمثل هذه "السجالات" (المفتعلة) كان يمكن ان تجري (وقد جرت) أيام الاستعمارات والانتدابات العثمانية والفرنسية والانكليزية أو في ظل سيطرة الوصايات العربية على تطورات البلد من عراق صدام حسين إلى ليبيا القذافي، فإلى سوريا حافظ الأسد وصولاً إلى الاحتلال الاسرائيلي. كان ذلك ممكن الحدوث لأن البلد كان بلداناً. والوطن اوطاناً. والجغرافيا امصاراً. والشعب على تناحر وتقاتل وحروب، تحت قبب طائفية وسياسية نصبها كل الوافدين علينا لا رحمة الله عليهم! فالواقع كان أرضاً خصبة لمشاريع تقسيمية. بل أن الوصايتين السورية والايرانية ومعهما الاحتلال الاسرائيلي خاضت كلها حروب الغيتوات المعلنة وغير المعلنة. فاسرائيل حاولت فصل الجنوب والبقاع الغربي عن لبنان. والنظام السوري استكمل المهمة عندما موّه سياساته الغيتوية بشعارات التوحيد، "والجيش الواحد"، والمؤسسات الواحدة. لكنه، ميدانياً وسياسياً ابقى بالقوة المجموعات والمكونات الطائفية على متاريسها: وجهاً لوجه. بلد مقسم عملياً بغطاء "عربي" (سوري وبعده ايراني): وضعت كل طائفة في مواجهة الأخرى. أكثر: فصل بين الأحزاب والطوائف فصلاً تعسفياً، ومنع كل تواصل بينها إلا عبر قنواته ومصالحه ومخططاته. (وهكذا سبق أن فعل عرفات الذي ساهم بتقسيم الجيش وقوى الأمن وساهم في اقامة خطوط تماس. ودخل طرفاً بين الأفرقاء تحت شعار المقاومة: هذا ما يفعله حزب الله باسم ايران وسوريا: اللعبة الاسرائيلية ذاتها) وعندما ارتدّ حزب الله على اللبنانيين بعد تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي، وأراد ان يكافئ نفسه على انتصاره باقتحامه السياسة المباشرة من ضمن مشاريع الهيمنة، كان التقسيم جزءاً من رؤيته. لم يخرج لا على السياسات الاستعمارية "العريقة" ولا على السياسات العربية (الثورية وغير الثورية) وكما ادخل من سبقه لبنان في (لعبة الأمم) كمجرد تفصيل وورقة.. هكذا فعل وبالأسلحة ذاتها: كانتونية شيعية استوحت الكانتونات المارونية والدرزية نموذجاً لها. ونظن أن حزب الله (ووراءه ولاية الفقيه والنظام البعثي) وسع وعمّق هذه اللعبة الاستعمارية (الاستيطانية) كل كانتونية تشبه في عمقها المخططات الاستيطانية الاسرائيلية في فلسطين ونظن ان كل الكانتونيين الطائفيين ومن سار في ركبهم من أحزاب علمانية ومدنية لا تختلف عملياً عن ذلك، بحيث أراد ان يجعل من لبنان كانتوناً واحداً بفروع عدة، تحت سلطته ارتباطاً بما يُسمى الهلال الإيراني، العراقي، اليمني، اللبناني. الأردني، الاسرائيلي! هلال يضم كل التناقضات ولكن على تقاطع استرايتجي نهض على تفتيت المنطقة العربية بجغرافيتها وشعوبها وتواريخها.
هذه المخططات قصفها الربيع العربي في أم رأسها! لا سيما في تداعيات ما يجري في اليمن (مع حوثيي إيران) وفي لبنان (مع حوثيي حزب الله) وفي العراق (مع حوثيي المالكي والأميركيين الذين تكاتفوا في حلف مقدس (مع سوريا) لغزو العراق واسقاط أولى الحلقات العربية الكبرى في أيديهم!
نعم! هزّ الربيع العربي العناصر الأساسية من المشروع الإيراني الاسرائيلي خصوصاً في الثورة السورية المستمرة من قرابة السنتين، وكأنها المفصل المهم لا في حلقات المشروع المرسوم فحسب، بل في موقع نظام ولاية الفقيه في لبنان وسواه (والربيع العراقي اليوم في تلاويحه أيضاً) وعندما تغيّر المزاج الشعبي اللبناني والعربي في ما خص دور إيران وحزب الله تحديداً عبر تلاشي "هالة المقاومة" فان الاختراق "المقاوم" والشعارات المطلقة، والخطب كأنها باتت تنتمي إلى زمن قديم! او الأحرى كأنها معلبات انتهت صلاحياتها: ونظن أن الربيع العربي بعد استشهاد الرئيس الحريري هو الذي وجه الضربات الأولى لهذا المشروع بخروج "الجيش السوري النظامي" في لبنان (وان استبقي حزب الله كضامن وكدليل وكمقاول لاستمرار اثر الوصايتين).
على هذا الأساس لم تعد "جحافل" الجماهير ولا الحمية القديمة صالحة للاستخدام في عملية السيطرة على البلد. فالشارع قد تحرر. وافرزت الجماهير بين من مع 8 آذار وبين من مع 14 آذار واثبتت الانتخابات على دورتين تقدم ثورة الأرز. هنا بالذات يمكن الكلام على بروز الاتجاهات الانقلابية أكثر فأكثر وبالسلاح المصنف للمقاومةّ وكان 7 أيار نذيراً وعلامة سوداء جَلّلت مكانة الحزب الذي كشر عن أنيابه.. وأبدى شهيته وفجعنته للسلطة. وكما ارتكبت منظمة التحرير في مراحلها المتقدمة، الأخطاء المميتة باسم سلاح المقاومة، ها هو الحزب الالهي يقع في المحظور ذاته ويظهر وكأن لبنان اصغر منه. (تماماً كالنظام السوري ومنظمة التحرير والإيراني والإسرائيلي). وانه بات ومن خلال الأمراض النرجسية المذهبية والشمولية التي فتكت به، أكبر من لبنان، وان بلده لم يعد يتسع لطموحاته. هنا بالذات، وبعدما أستنفد أوراقه القديمة سحب من أكمامه أوراقاً اخرى: تعزيز وتأصيل المنحى الانقلابي الذي تبلور في 7 أيار (المتماهي بالغزو الاسرائيلي للبنان). وكانت الضربة الانقلابية القوية الأخرى اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري سواء بسلاح مُشهر، أو باستمالة بعض نواب 14 آذار.. إليها لتنتقل "الأكثرية" من هنا إلى هناك: وجاء نجيب ميقاتي اعلاناً لهذا الانقلاب، وأداة له، وتسهيلاً لكل ممارسات حزب الله في ضرب بنية الدولة والقضاء ونشر الفساد في بيئاته وعلى الخط الانقلابي ذاته كان "المقاوم" ميشال سماحة ينفذ مخططاً أخطر: تفجير السلم الأهلي في لبنان (مع بطل تحرير الجولان علي مملوك!) لاشاعة الفوضى والفتن والحروب المذهبية خدمة للنظام المتهاوي في سوريا. المؤامرة هذه كانت الوجه المروع للانقلاب ومفاعيله وجنونه (يذكرنا بمآثر النظام السوري في لبنان) لكن افشال عملية سماحة مملوك الإجرامية كان نكسة كبرى، عوضها نظاما الوصايتين عبر عملائهما الموصوفين والمعروفين في لبنان، باغتيال الشهيد وسام الحسن لتتوالى إلى بعض الرموز لوائح جديدة بالقتل (نتذكر محاولتي اغتيال جعجع وحرب). محطة أخرى، انقلابية مزدوجة وبمصدر القرار والسلاح نفسه ومع تداعي النظام السوري كان لهذه اللوائح السوداء أن تُعمّم وان يُهول بها وان يحاصر بعض رموز 14 آذار بها (نتذكر حصارهم في الفينيسيا) انقلاب ذو أوجه متكاملة: بالقتل، ومن ثم عبر قوانين الانتخابات. وها هو مشروع قانون الفرزلي، ينخرط بين القوانين المقترحة: فؤاد بطرس، الستين، الدوائر الصغرى، النسبية: انقلاب على شرعية الطائف بشرعية جديدة تحوم حولها روائح 7 أيار المنتنة، أي بالتشريع الغاء التشريع. ونظن ان مشروع الفرزلي الذي انزلق به بعض رموز 14 آذار هو الحد الانقلابي الأقصى الذي يعمد حزب الله إلى ادراكه. فهذا القانون إذا "أُقر" فسيكون اكثر من انقلاب، واكثر من "هيمنة" فئوية حزبية على البلد وأكثر من تنامي حضور هذه الوصاية أو تلك، سيكون هذا القانون انهاء للبنان وتاريخه. وحياته وانجازاته واقتصاده ودولته وجيشه وحدوده نفسها: لا بل وسيذهب إلى ما هو أخطر من التقسيم: التفتيت! بل وسيكون ذرائع دامغة لاسترجاع أجواء السبعينات والتناحرات المذهبية داخل كل مذهب وداخل كل حزب وطائفة. ولا نظن ادعاء بعضهم بأن هذا القانون ينهي "الصراعات" في انطواء كل فئة على نفسها وبانغزالها بل على العكس: وكما حدثت مقتلة الصفرا ومجازر اقليم التفاح، وحرب الالغاء بين ميشال عون والقوات، فمثل هذه الحروب ستكون أوفر وأقسى، وستكون آخر الضربات القاضية على لبنان. ومن قال إن انعزالية المذاهب بأكثرياتها واقلياتها، هي الضامنة للازدهار وللسيادة وللحرية وللديموقراطية. كل مذهب ينتخب نوابه يعني أن كل مذهب ينتحر وينحر الآخر. فهذا المشروع (وسواه) ليس أكثر من منزلق للعودة إلى لبنان أقل من المتصرفيات وأصغر من الكانتونات التي نعرفها. سيكون أقل من ضواحي حزب الله (التي ستتفتت أيضاً) وأقل من كانتون برج حمود الطاشناقي.. كأنه ادهى انقلاب يخطط له كل من الكيان الإيراني والنظام السوري المتمادي ووراءهما الاسرائيلي. ونظن ان هذا المشروع سيكون بمثابة هدية لاسرائيل التي تدأب على رفع أسوار عنصرية فاصلة بينها وبين الفلسطينيين، وفي سينا وفي سوريا قريباً (بعدما تبدت ملامح انهيار النظام الذي يحمي ويحرس جيشها الاحتلالي في الجولان، أقصد النظام الممانع المُلقح بالحزب المقاوم!!) بل يكون لبنان الذي افتتح الربيع العربي في المقالب الأخرى، أي ضمن ما تبقى من مخططات التقسيم الايرانية في اليمن والعراق وسوريا! أي يكون ضد نفسه: في محصلة الانقلابات الدموية و"الدستورية" ولا يظنن أحد، ان حزب الله (ووراءه نظام ولاية الفقيه الذي سجن 16 صحافياً معارضاً قبل أيام!) يمكن أن يعترف بأي نتيجة للانتخابات وفي أي قانون. فسلاحه "الأبقى" (خدمة للمصالح الخارجية والمذهبية) فوق كل نتيجة. فالمهم بالنسبة اليه أن يكون كل انتخاب مرحلة من مراحل تفتيت البلد. وسيبقى على هذه الوتيرة (كما كان بعد نتائج الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين) فوق كل انتخاب. وسيستعمل سلاحه في الصغائر والكبائر. وفي تهميش الجيش وتشويه قوى الأمن. وبهدلة القضاء. واحتقار المجلس النيابي ولو كان له الأكثرية والمجيء بحكومات فاسدة وعميلة وسراقة ونهابة تحمي عبر رعاية حزب الله لها، اللصوص والمجرمين ومافيات الخوات في الضاحية وسواها. ومزوري الأدوية ومصنعي المخدرات ومقاولي البضائع غير الشرعية في مرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري ونظن ان مصير لبنان إذا ما تمكن هذا الحزب الشمولي المذهبي لن يكون أفضل من المصير الذي آل اليه الشعب الإيراني أو الشعب السوري. أو الشعب اليمني. فسيرفع شعارات التخوين (ما أجمل الخونة عندما يخونون الآخرين!) وسيحمي العملاء حتى عملاء اسرائيل (كما تصرف مع العميل فايز كرم) والقتلة (كما يؤوي المتهمين باغتيال الحريري) وعملاء الفتنة (كما تصرف مع جريمة سماحة ورائد جبهة الصمود والتصدي علي المملوك!) وسيزداد الفساد والتفلت والفوضى وستختلط الأوراق بين دولة صارت دويلة وبين دويلة تتفكك إلى دويلات!
نقول ذلك لأن آخر محاولات الحزب تبني مشروع الفرزلي (أو التهديد بالنسبية!) هو من البدائل القديمة الجديدة، لاعطاب مجمل "الكتل" الطائفية (والتاريخية) والمدنية.
اما الذين انطلت عليهم "حيل" الحزب ووراءه النظامان البعثي والملالي (دامت ظلالهم الوارفة المديدة! كغيوم من الغربان) وألاعيبه ومقاصده وسرائره ونياته، فهؤلاء (وأقصد بعض مكونات 14 آذار) سيفيقون بعد هذه الغيبوبة السياسية (والنشوة المرة) ليجدوا انهم انتهوا… وانتهت 14 آذار .. و8 آذار ولبنان! فالأفضل ان يستيقظوا قبل سقوط كانتونات مشروع الفرزلي ودويلاته على رؤوسهم وعلى رؤوس الجميع!
ونبشرهم: المنحى الانقلابي جزء من طبيعة حزب الله. بدأ بانقلاب واستمر بانقلاب وسينتهي بانقلابات: شأنه في ذلك شأن حليفه السوري وانشاء الله الإيراني!
ولن يوقفه شيء في سياق فهمه للسلطة، لا دستور الطائف ولا كل القوانين. فهذه كلها مطروحة لذر الرماد في العيون ولقطع المراحل وازدياد السيطرة على البلد. ونتذكر هؤلاء "المطمئنين" إلى اوضاعهم في ظل حزب الولاية الملالية، ان هذا الأخير لا يستطيع تقبل أي تشاركية أو مشاركة في السلطة، لأن سوسة "المرشد" و"المنقذ" والمرسل من لدُن الآلهة تنخر عقوله. إلاّ اذا اجتمع اللبنانيون أو اكثريتهم على قواسم مشتركة تضع الحزب بين خيارين: اما الانخراط في اللعبة السياسية من دون سلاحه أو العمل على بناءات مقاومة شعبية تتجاوز كل هذه القوانين الانتخابية التافهة، والتي ليست أكثر من جسر عبور للحزب للانقضاض على السلطة والدولة.
  

السابق
تأهب إسرائيلي على الحدود مع سوريا ولبنان
التالي
أغلى سيارة في العالم مصممها لبناني