الإرهاب من وطني إلى مُعَوْلم

ما كادت الجزائر تقفل باب جهنم الارهابية حتى اعادت حرب مالي فتحه عليها من جديد. ولكن شتان ما بين هذه المعركة "المفتوحة" وتلك "المحصورة" التي سبقتها. في السابق تعاملت السلطات الجزائرية مع ارهاب "وطني" مئة في المئة، اما اليوم فهي في مواجهة ارهاب "معولم" قد يجعل البلاد ساحة للارهاب "الغريب" في اكثر مناطقها حساسية، وقد تكون كلفته اكبر بكثير.
ماذا يعني ان يكون مهاجمو إن اميناس اجانب وليس بينهم سوى ثلاثة جزائريين ربما شاركوا بصفة مرشدين فقط؟ هل يعني ان الارهاب الكامن في الصحراء افلت من عقاله ولم تعد تضبطه حدود او جغرافيا او هوية؟ واية كلفة ستترتب على هذا الارهاب العابر للحدود؟
الارهاب "الوطني" الجزائري كان في سني المحنة اكثر "وطنية" من الارهاب "المعولم" الذي يضرب اليوم. ضرب الارهاب الجزائري في كل مكان في الشوارع والقرى، ضرب الابرياء والاولاد والنساء، ضرب المقار العسكرية والمراكز الادارية. لكنه منذ بدايته لم يضرب اي محطة للطاقة او للغاز في اي مكان من الجزائر. في اربعة ايام من عملية الصحراء تكبدت الجزائر خسائر معنوية ومادية اكثر مما تكبدت في سنوات. والفاتورة المالية للخسائر قد تصل الى مليارات نتيجة اعادة الشركات الاجنبية العاملة في الصحراء النظر في عملياتها هناك. وستضطر الجزائر الى تحمل نفقات اضافية لحماية المنشآت النفطية في هذه المنطقة الشاسعة.
الجزائر دفعت في إن اميناس ثمن تورطها السري في حرب مالي واستجابتها للرغبة الفرنسية في تدويل محاربة الارهاب. في مالي، تحركت فرنسا من اجل مصالح فرنسا. ولكن ما الذي دفع الحكومة الجزائرية الى مسايرة الفرنسيين بخوض حربهم على اراضيها بينما هؤلاء يخوضونها على مسافة اربعة الاف كيلومتر من باريس؟
منذ سنوات، والغرب يحاول عبثا جر الجزائر الى صيغة امنية تجعلها شرطياً لهم في الساحل والصحراء. وقاومت كل "الاغراءات" رفضا للتورط. لكنها ها هي تتورط! فهل حدث ذلك لان الصراع على السلطة ومراكز النفوذ اضعفت الارادات الوطنية وجعلت ما كان مرفوضا بالامس مقبولا اليوم؟ ام لانها انتظرت الارهاب "الوطني" في الداخل وفاجأها الارهاب "المعولم" من الخارج؟
عندما خاض الغرب حرب ليبيا، كانت عينه على الجزائر. ومن خطط لتلك الحرب يدرك ان مآلاتها وسلاح القذافي ستنتشر في رمال صحراء عميقة تلعب فيها كل الشياطين منذ زمن طويل وستوقظ في رؤوسهم كل الشرور، فلا غرابة ان نشهد فورة جديدة لارهاب عابر للحدود جديد، وانضمام بلدان عدة الى قائمة الدول الفاشلة.

السابق
رؤية عربية ودولية لحلّ سياسي
التالي
عن أي دولة نبحث؟