خشبيون في غابة سلاح!

مع ان "المناسبة" التي اعادت تسليط الضوء على عائلة سياسية عريقة في طرابلس لا تتحمل اي نوع من انواع الانجراف الى السخرية، فان المشهد الساخر اختصرته وجوه الزوار وتلاوينهم ومواقفهم الاشبه بكلام خشبي لا يقدم ولا يؤخر شيئا في محنة المدينة.
استحق الرئيس عمر كرامي كل الاشادات بحكمته التي احتوت المفاعيل المفترضة والمتخيلة لمحاولة اغتيال نجله الوزير، وإن جرت بالمصادفة وبفعل الفوضى من دون تخطيط. استحق ذلك كما استحق عام 2005 اعلان استقالة حكومته فجأة في مجلس النواب على وقع الغضب المتفجر عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولم يطلب اذن احد ولا استشار احدا قبل استقالته. كان الرئيس كرامي يومذاك يدل على "ديموقراطية" العائلات السياسية في لبنان التي تملي الاستقالة في اللحظة المناسبة، وهي "عملة منقرضة" في لبنان واجياله السياسية الناشئة.
اما في واقعة طرابلس الاخيرة، فان حكمة سحب فتيل الفتنة بدت اشبه بالتسليم بأمر واقع قاهر لم يتأخر التعبير عنه على ألسنة الملهوفين على سلامة آل كرامي من كبار رجالات الدولة ووزرائها ونوابها وسياسييها، لكأنهم ادركوا فجأة ان طرابلس المسلحة حتى اسنانها طمست تماما كل "طرابلس الاصلية". لم يكن آل كرامي وحدهم في هذه المحنة، بل تراصفت معهم كل القوى السياسية التقليدية والحديثة، لكأنها ارادت القول انها بالكاد تبقى موجودة في بحر التنظيمات والجماعات والعصابات والزمر المسلحة.
شيء دراماتيكي ان يلهج هؤلاء الغيارى جميعا بمطلب خشبي هو نزع السلاح في طرابلس، والجيش وقوى الامن الداخلي يزرعان المدينة منذ 2008 بخطط متناسلة، ولا شيء يتناسل هناك سوى السلاح واجيال المسلحين "غب الطلب". ولو كان لوزير الداخلية ان يقبل نصحا فلعله كان من الافضل لو التفت الى كونه ممثل الدولة التي ناشدها "الاجتماع" لاتخاذ قرار نزع السلاح، الذي ظلل حضوره وحضور القوى العسكرية والامنية في مشهد مفجع. هي الدولة من حوصرت في فوضى السلاح هناك، وهي الدولة التي كانت اضعف الضعفاء واعجز العاجزين مع زوار آل كرامي والعائلة الكرامية نفسها. وهي الدولة التي تتقهقر وتذوب مع سلاح منظم تشرعه لعجز عن استيعابه من هنا وسلاح فوضوي ترفضه لعجز عن نزعه من هناك.
على الاقل تحلى آل كرامي بالحكمة ونزعوا الفتنة حين مسّتهم لعجز عن مواجهتها. فماذا سيبقى غدا من دفق العجز الذي فاض به زوار طرابلس حين تستفيق المدينة في اي لحظة على جولة قتال جديدة واناشيد خشبية اضافية في نزع سلاحها؟
لتكن حكمة الدولة "ان بليتم بالمعاصي فاستتروا"، وكفى.

السابق
طورسركيسيان: الفريق الآخر يريد الهيمنة على البلد
التالي
ارسلان: لعدم حبك قوانين انتخاب على قياس زعامات