الربيع… والموقّعون بالدم!

ليس كافياً الحديث عن "نهاية مأسوية" لعملية احتجاز الرهائن في المنشأة النفطية الجزائرية في "إن ميناس" قرب الحدود الليبية ربما لأن الواقع على الحدود بين الجزائر وليبيا والتشاد والنيجر ومالي التي تشهد هجوماً فرنسياً على الاسلاميين لطردهم شمالاً، يرسم "مستقبلاً مأسوياً" لتلك المنطقة التي تهدد معظم الدول الافريقية وتفرض تحديات مقلقة على الجيران الاوروبيين في الشمال!
كان مثيراً لا بل مقززاً ان يتعامل الجيش الجزائري مع الخاطفين بهذا الاسلوب القاتل، فيرسل وحدات برية وجوية لاقتحام المنشأة لينتهي الأمر بمقتل 34 رهينة و11 من الخاطفين الذين ينتمون الى كتيبة "الموقعون بالدم"، وليتبين ان الحكومة الجزائرية صاحبة الخبرة الطويلة في التعامل مع الارهاب هي التي وقّعت بالدم على عملية "إن ميناس"!
لكن المسألة لا تنتهي عند هذا الحد، فعندما يعلن وزيرالداخلية الجزائري ان المجموعة المسلحة التي نفذت العملية "جاءت من ليبيا وحضّرت لها هناك"، وعندما نعرف ان هذه العملية حصلت رداً على الهجوم الفرنسي على تحالف المتشددين من "انصار الدين" و"جماعة التوحيد والجهاد" و"القاعدة في بلاد المغرب"، الذين يحاولون بسط سيطرتهم على مالي، ثم اذا عرفنا ان الاسلحة الثقيلة والمتطورة التي تملكها هذه التنظيمات جاءت من ليبيا الغارقة حتى الآن في فوضى السلاح والمسلحين، يمكن عندها فعلاً ان نتخيّل "المستقبل المأسوي" للمنطقة ما لم تتمكن الحكومات من فرض سيطرتها على الارض وبسط هيبة القانون، وهو امر ليس بالسهل لأنه يتطلب تنسيقاً عابراً للحدود بين دول المنطقة ترفده بالضرورة مساعدات دولية جادة. واذا كان تصاعد النشاط الارهابي في تلك المنطقة يرسم معالم صوملة تتهدد دول الشمال بدليل ما حصل في المنشأة الجزائرية، فان ترك الفرنسيين حتى الآن يواجهون وحدهم تحالف المتشددين الاسلاميين في مالي، يمكن ان يعمق المخاوف من ان يتحول المربع الحدودي الذي اشرت اليه اعلاه، افغانستان افريقية تتهدد ايضاً دول الشريط الساحلي الجنوبي الذي يشكل قبلة المصالح والاستثمارات الغربية!
نزول الفرنسيين في مالي ليس سبب العملية الارهابية في المنشأة المنكوبة، فالخبراء يقولون انها كانت مدبرة سلفاً، اما تقارير الاستخبارات الجزائرية فتقول ان العملية تؤكد مدى تغلغل الارهابيين في الصحراء الجزائرية وانها لا تمثل انذاراً للفرنسيين والاوروبيين وحدهم بل للجزائر والدول المحيطة، ولتأكيد جدية هذه المخاوف لعل من المفيد ان نعرف مثلاً ان "أنصار الدين" الذين يقاتلون في مالي هم الذين اقتحموا القنصلية الاميركية في بنغازي وقتلوا السفير كريس ستيفنس وثلاثة آخرين.
ان الارهاب يقترب، فالمسافة بين افغانستان في الشرق واوروبا في الغرب أبعد من المسافة بين الغرب والصحراء الافريقية في الجنوب حيث تزدهر منظمات العنف والارهاب مستغلة "الربيع العربي"… للتوقيع بالدم!

السابق
الوحش الذي يقتل صانعه
التالي
الجيش: تفجير ذخائر غير صالحة في حولا اليوم