أي مساواة تريدون؟!

افرحوا أيها اللبنانيون، الكهرباء تشعشع في مدنكم وقراكم، حتى أعلى دسكرة في أكثر المناطق ارتفاعاً عن البحر وبعداً عن عاصمتكم تنعم بكهرباء لا تنقطع. افرحوا واجذلو، فالمياه تصلكم نظيفة أنّى وجدتم، وزراعتكم الأولى إقليمياً وتتهيّأ لمنازلة الزراعات العالمية. افرحوا أيّها اللبنانيون، فالطرق معبّدة، والبنى التحتية سليمة، والتعليم الرسميّ أصبح إلزامياً ومجانياً ويضاهي التعليم الخاص لا بل يسبقه بأشواط، وشبابكم يوظّفون حتى قبل تخرّجهم من الجامعات والمعاهد. افرحوا أيّها اللبنانيون، فإن ما كنتم تتطالبون به كلّه العام الماضي، قد أمّن لكم بسحر ساحر، ولم يبقَ لكم ما يشغل بالكم، سوى راحة بعض نوّاب الأمّة الذين يكدّون ويتعبون، من أجلكم، ومن أجل ـ لا خلاص بلادكم فقد أصبح ذلك من الماضي ـ بل من أجل تطوّر لبنان وازدهاره.
لا همّ اليوم، لبعض النوّاب في لبنان، سوى كيف ينامون، وعلى أي وسادة ترتاح رؤوسهم، لا بل إن أحدهم يتنطّح معلناً أنّ التشريع يشغله عن أمورٍ أخرى، وكأنّ نزيل الـ«إيتوال» نسي أنّه موظّف برتبة نائب، وأنّ التشريع مهمة أوكلها إليه الشعب، ويبقى السؤال: بما يمنّننا «النائب بيك»؟ بتشريع قوانين انتخابية طائفية مهترئة تعيد نفث سموم الطائفية التي تتآكل جسد البلد؟ أم بتشريع صرف المليارات على رفاهية المسؤولين أمثاله واستجمامهم وحفلات العشاء، بينما يجلسون حيارى أمام معرفة من أين تموّل سلسلة الرتب والرواتب؟
إنها قصّة الانتخابات التي تعيد نفسها في كلّ مرّة، قصة البحث عن آليات الوصول إلى الـ«داون تاون»، تحت ذريعة الديمقراطية التي يسخرون من الشعب اللبنانيّ عندما يقولون إنّهم يريدونها أرقى، فتراها هي هي، مجرّد تبديل في الأقنعة، ليس إلا.
يجترحون القوانين الانتخابية كلّ على قياسه ومقياسه، واحد قلبه على المسيحيين، وآخر عقله مع السنّة، وثالث يقتنص الفرص لينهش من جبنة هذا وحصة ذاك، وتبقى الذريعة… الديمقراطية.
الديمقراطية التي تعني الشعب اللبناني يا سعادة النوّاب هي أن يختار مَن يريد خارج القيد الطائفيّ، أن يختار مَن يمثّله في لبنان كلّه، أحقّاً ما زلتم تصدّقون كذبة غورو المدعوّة «لبنان الكبير»؟ إنّ مساحة لبنان الكبير هذا أقلّ من مساحة محافظة في سورية، وأقل من مساحة عاصمة بلاد غورو نفسه، فلماذا تفتتونه بقوانينكم هذه؟ لماذا لا تجعلونه كبيراً في قلبه؟ في شعبه الموحّد اللاطائفيّ؟ لعمري أنّ بينكم بعضاً لا يحيى إلا بالطائفية وتشرذم الوطن وتشظّيه.
أيّ قوانين هذه تناقشونها؟ أيّ قوانين تتدارسونها في سبيل إقرارها؟ واحدٌ طائفيّ بامتياز يعيدنا عقوداً لا بل قروناً إلى الخلف، وثانٍ يكرّس إقطاعيات عائلية وسياسية في أماكن عديدة، وثالث موضوع على الرفّ كحلّ احتياطيّ ما لم تصلوا إلى نتيجة، حقّاً إنّ المشرّع الفرنسيّ كان ذكياً جدّاً عندما «حرّم» كلمة «استفتاء» في الدستور اللبناني، وحرم الشعب من حقّ اللجوء إليه لدى أي استحقاق يستحقّ التصويت.
هل سأل المجتمعون في الـ«داون تاون» اليوم قاعدتهم الشعبية عمّا تريده؟ هل تنازل نائب منهم من عليائه إلى ناخبيه وسألهم أيّ قانون انتخابٍ يريدون؟ هذا إن كان يعرف حقاً ناخبيه وحقوقهم.
لا خلاص للبنان إلا بإلغاء الطائفية، ويبدأ ذلك من الدستور نفسه، من قوانين الانتخابات، من المجلس النيابيّ والنوّاب، من عدم الكذب على الشعب حول المساواة بين المسيحيين والمحمديين، إن المساواة الحقيقية تكمن في أن يضع المسيحيّ يده في يد المحمديّ لبناء الوطن ومستقبله من دون أن يلتفت أيّ منهما إلى طائفته، المساواة الحقيقية تعني رمي قوانين الانتخابات هذه كلّها في سلّة المهملات، من «الأرثوذكسي» إلى «الستّين»، إلى أيّ قانون يقسّم اللبنانيين ويشرذمهم تحت حجّة «قلبي عليهم». المساواة الحقيقية تعني أن نقول للمواطن اختر من تريد ومن تراه أنت نفسك مناسباً وكفوءاً ويمثّل تطلّعاتك.
المساواة تعني أن يذهب الطائفيون إلى غير رجعة ومعهم لوثة الطائفية، أن تنشأ في لبنان موالاة ومعارضة تجتهدان لازدهار البلد لا لدماره، بحسب خطط خمسية أو عشرية، وبرامج انتخابية يحاسبهما عليها الشعب اللبنانيّ. المساواة تعني أن نبني وطناً حقيقياً.  

السابق
الجيش في اللبنانية: آخر الدواء الكي
التالي
الصفقة: البرنامج النووي مقابل بقاء الأسد!