بين البصر والتبصير


ما كان تعاقب الأيام والأزمان حاسماً كما هو اليوم.. وهذا في الأساس بعض من افتراضات أصحاب البصر السياسي، رغم انزواء الكثيرين منهم الى الخلف أمام هزال التبصير وهلوساته الكئيبة والمثيرة للمغص.
في التبصير دجلٌ منتشٍ بحاله. وفي التحليل قراءة منتشية بالحقائق والأرقام والوقائع الدامغات. وبين الحالتين وعلى وقع وتائرهما عاشت شعوب الشرق طويلاً عند حافة الغيب. وكان الانتظار ولا يزال سيداً لا يُقارن ومتسيّداً لا تهزّه إلا أقدار لا تُقاوم.
بين الوهم والواقع تسري أيامنا وتنطبع تفاصيلها: الدجل التبصيري يعتمد على الصدفة والكذبة وقصر الذاكرة وطول حبل الخيال، لكن أساسه هو الانتظار.. التحليل المركّب والواقعي يعتمد على الحساب والقياس والمقارنات ويبني توقعاته استناداً إليها، لكن أساسه ايضاً هو الانتظار!
في خلاصة الأمرين وترجمتهما، ان غياب القدرة على التحكم بالمصائر والعجز عن مراكمة اسباب العلم والقدرات البحثية المركونة والمستندة الى الرقم وليس الوهم، والمؤسسة وليس الشعار، يوصل في ختامه الى تبادل أدوار يشبه العبث: السياسي يضرب في الرمل، والضارب في الرمل يشتغل في السياسة. والاثنان أسرى غموض الغد والحالة الزئبقية التي تموج فيها المنطقة العربية وشعوبها منذ مطلع القرن العشرين ولا تزال.
الاقتراب من باب المنطق يقفل أبواب الهلوسة التبصيرية الحديثة، لكنه لا يجاريها في الانتشار! ولا في الجرأة: يخجل افحل العاملين والعارفين بالظواهر والبواطن السياسية التكتيكية والاستراتيجية الخاصة بالمنطقة وحولها من طرح توقعات يقينية حاسمة. لكن أصغر لص مشعوذ لا يرعوي عن تلبّس أدوار الآلهة، و"القراءة" في الأيام الآتية وفي أقدارها وأحداثها وتفاصيلها! بحيث صار الخبل سلعة رابحة في سوق يائسين، والمنطق سلعة راكدة في سوق واهمين!
ومع ذلك، تُستعار بعض شجاعة أدبية من أهل المنطق وروّاد القياس، للعب دور تبصيري صغير مختصر وسريع: عام 2013 لا يمكن إلا ان يكون عام سقوط بشار الاسد وصعود سوريا.. المقدمات الملموسة والمنشافة والمقروءة والمسموعة ترسم سلفاً التتمات والنهايات وبدقّة ليزرية! وببساطة الرقم ودقّته المطلقة، يمكن الافتراض، والذهاب بعيداًَ في ذلك، ان سلطة الاسد وضعت بنفسها أولى خطوات أفولها، وتكفّل السوريون الاحرار بعد ذلك، في تلقّف الريح وردها باتجاه الشمس والحرية التي لا تذوي.

السابق
قواعد الحوار
التالي
سوريا من عام الصمود إلى عام الانتصار؟