الأسد يعمل على تقطيع الإبراهيمي

يشكك مسؤولون اميركيون في امكان تحقيق اختراق جوهري في الازمة السورية، على الأقل في هذه المرحلة، على رغم حركة الاتصالات المكثفة التي تشهدها دمشق هذه الأيام، وكذلك حركة الموفدين على خط موسكو.

وفي اعتقاد مصادر في الخارجية الاميركية أن شيئاً ملموساً لم يتحقق على الارض، على رغم الاجواء التي حاول النظام السوري أن يثيرها حول طبيعة تحرك المبعوث الدولي والعربي الاخضر الابراهيمي، مترافقة مع تسريبات متعددة الجوانب حول طبيعة الاقتراحات الجاري البحث فيها.

وتؤكد هذه المصادر أن ما أُعلن عن اتفاق روسي ـ اميركي تحت مسميات "جنيف 1" و"جنيف 2"، لم يطرأ عليه اي شيء جديد، اقله بالنسبة الى طبيعة "الخطة" الجاري العمل على تسويقها، من أجل ايجاد مخرج ينهي حمام الدم الذي تتعرض له مختلف المدن والمناطق السورية.

وتعتقد الأوساط نفسها أن التشاؤم لا يزال سيد الموقف، خصوصاً أن النظام السوري قد استبق زيارة الابراهيمي بمجزرة "المخبز" في بلدة حلفايا بريف حماه التي ذهب ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح، ما يعني أن حظوظ اقناع الاسد بالخطة الدولية المحكى عنها، لا تزال ضئيلة، إن لم تكن معدومة.

وتلفت الاوساط الى أنه لا بد من انتظار ما ستسفر عنه تلك الاتصالات، خصوصاً ان النظام لا يزال يعتقد أن لديه وقتاً قد لا يكون قصيراً من اجل الإمعان في سياسة تقطيع الوقت نظراً لعوامل نعددها كالآتي:

– اطمئنانه الى عدم وجود فعالية لأيّ دور اميركي من الآن وحتى تسلّم وزير الخارجية الجديد جون كيري مهامّه، وهذا ما لن يحصل الا في نهاية شهر شباط المقبل.

ورهانه على "تفهم" ما قد يجده لدى "الوزير" كيري، نظراً الى العلاقة القديمة التي لعبها حين اعاد وصل العلاقات السورية ـ الاميركية قبل اكثر من عامين عندما كان ولا يزال رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي.

– رهانه على الفوضى العارمة التي اغرق فيها سوريا، وعلى نمو المخاوف الدولية من خطر الجماعات الاصولية في صفوف المعارضة السورية، ناهيك عن رهانه على اضعاف صدقية الائتلاف الوطني السوري، الذي لم يتمكن حتى الساعة من اكتساب صدقية، سواء خارج سوريا او داخلها، وتحديداً في اوساط الجماعات المسلحة.

– اطمئنانه الى امكان تطبيق "الخطة باء" والقائمة على خيار الدويلة العلوية في مناطق الساحل السوري، خصوصاً ان المجتمع الدولي لم تصدر عنه اشارات جدية توحي باعتراضه على هذا الخيار. فالمعلومات الاستخبارية والميدانية تؤكد أن النظام قطع شوطاً كبيراً في نقل كثير من امكاناته العسكرية واللوجستية الى تلك المنطقة، خصوصاً نقله كمية كبيرة من مخزونه من الاسلحة الكيماوية، التي سيعتبرها من الآن فصاعداً سلاحه الاستراتيجي في الدفاع عن دويلته هذه، مع اعلانه العمل على استكمال بنيتها التحتية عبر الحديث عن اقامة مطار مدني ومحطات لتوليد الكهرباء.

وترى الاوساط أن إغراق الاعلام بتفاصيل حول "المرحلة الانتقالية" العتيدة، مع وجود اكثر من نسخة لها، يوحي بأن النظام يستعد لجولة جديدة من التسويف والمماطلة، واغراق البحث في تفاصيل تضيّع الهدف الاصلي.

وتحذر هذه الاوساط من أنّ الاعلان عن وجود اكثر من اقتراح يهدف خصوصاً الى ادخال اليأس في نفوس المعارضة السورية قبل غيرها، معطوفاً على الامعان في استعمال القوة المفرطة وضرب التجمعات المدنية من دون اي وازع اخلاقي، مثلما حصل في مجزرة حلفايا، وافهام من يجب افهامه بالكلفة المرتفعة لاي نوع من الخطط والمشاريع التي لا تأخذ في الاعتبار مصالحه المباشرة.

فالقول مثلاً بمرحلة انتقالية مع تشكيل حكومة انتقالية وبقاء الرئيس بشار الاسد في السلطة لمدة ثلاثة اشهر، على أن يقدم بعدها استقالته طوعاً، لا يوجد ما يضمن تحقيقها، ولا يمكن اجباره على عدم التمنع من تطبيقها، تحت اي حجة، خصوصاً ان "بدائله" الميدانية ستكون قد قطعت اشواطاً مهمة في اكتسابها شرعية الامر الواقع.

وترى اوساط اميركية أنّه في ظل عدم قدرة المعارضة المسلحة حتى اللحظة على حسم المواجهة على الارض في اكثر من مكان، فإنّ هذا الامر يُعطي الأسد قدرة على الاحتفاظ بالثقة في النفس، خصوصاً ان إقتناعه باستحالة حسم المعركة، سواء بقواته او من المعارضة، كفيل بإبقائه في السلطة، حتى ولو تقلصت تلك السلطة على حدود "دويلته" الموعودة.

وتؤكد تلك الاوساط على ضرورة انتظار ما ستسفر عنه مهمة الابراهيمي في كل من دمشق وبعدها في موسكو، لمعرفة الموقف الروسي الذي وبحسب تلك الاوساط، يبحث الآن عن مخارج له من المأزق الذي وجد نفسه فيه، بعد فشل كل رهاناته على النظام السوري.

واذ تنوه تلك الاوساط بقدرة المعارضة التي تمكنت من فرض اغلاق مطاري دمشق وحلب الدوليين، من دون اسقاطهما، مع الأثر النفسي الكبير الذي احدثه هذا التطور الميداني، ولجوء النظام الى مطار بيروت كبديل مأمون يوفر له حرية الحركة والتواصل مع الخارج.

إنّ هذا الامر يؤكد في المقابل خطورة انعكاسات هذا الامر على الداخل اللبناني ويهدد صدقية شعار "النأي بالنفس" الذي ترفعه الحكومة اللبنانية في تعاطيها مع الازمة السورية، إذ تبدو في هذا المجال سياسة نأي بالنفس من طرف واحد.  

السابق
هل يثقب بري جدار المقاطعة تمهيدا لهدِّه؟
التالي
روسيا ـ إيران: افتراق؟