لعب إعلامي بالأسلحة الكيميائية

في الحرب السورية، كلّ شيء مباح إعلامياً. من استخدام حليب الأطفال.. إلى دمائهم. لكن لا يمكن أن يبقى جائزاً، نقل تلك الإباحة إلى الإعلام اللبناني، لأننا بلد على شفير حرب دائمة. وإلا فالأفضل تحويل وسائل الإعلام إلى مواقع فيديو تبث عبر الانترنت، على هواها، من دون تحمّل وزر الترخيص لها.
مناسبة الكلام بثّ «تلفزيون الجديد» في نشرة أخباره المسائية، مساء السبت الماضي، شريطاً مصوراً، يظهر فيه جرحى من أطفال ونساء، بوجوه محروقة ومشوّهة، قال إنها «نتيجة قصفهم بالسلاح الكيميائي». وقال إنهم سوريون من منطقة السفيرة. لكنّ الأفدح كان أن التلفزيون نقل الصور عن فيديو بثه موقع الكتروني «لتنسيقيات الثورة السورية». لم تنقل أي محطة تلفزيونية أخرى، ذلك الشريط، لأنها ببساطة تعرف ألا أساس له من الصحة، وبالتالي لا يمكن لها تبني شريط بمثل تلك الخطورة، حتى لو كان يناسب توجّهاتها الإعلامية.
وتكمن الخطورة، كما أصبح معروفاً، في أن الأسلحة الكيميائية تشكل حالياً عنوان الهجوم على النظام السوري، من الأمم المتحدة، إلى الولايات المتحدة، إلى الدول الأوروبية. وقد تصير مقدّمة لهجمة عسكريّة على سوريا. بدوره يعرف النظام جيداً، مدى خطورة استخدام تلك الأسلحة، على نفسه، قبل أن تكون على الشعب السوري. ولو كان في الشريط ذرة من الصحة، لكان العالم اليوم، وقبل «الجديد»، «يطنّ ويرنّ» بالنبأ، مظهراً صور الجرحى، ولكان بدأ الحديث عن الخطط العسكرية لردع النظام عن «جرائمه الكيميائية».
إن قيام تنسيقيات الثورة بلعبة استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، هي من عدة الحرب الإعلامية، لعل أحداً يصدّقها. لكنها تنمّ أيضاً عن عدم مسؤولية، لأنّ تلك «اللعبة» ستصيب أولاً وأخيراً الشعب السوري برمّته. أما نقل وسيلة إعلامية محليّة مرخصة، للصور في نشرة إخباريّة، فإنّ ذلك يحملها مسؤولية مضاعفة، لأن ألف باء البث هو التحقق من الخبر أو الحدث، وليس التسلية بالواقع، أو زيادة اشتعاله.
لا يمكن إحصاء الأحداث التي جرى التعامل معها بخفة، وكانت لها تأثيرات شديدة السلبية على المجتمع اللبناني. ولا بد من التذكير بأكثرها تأثيراً، من أجل فهم خطورة ما يحصل. فعندما خرج الشيخ أحمد الأسير بشتائمه في خطبة الجمعة، استضافته «الجديد» في اليوم التالي، ما زاد النار اشتعالاً. وعندما بثت القناة نفسها خبر مقتل المخطوفين اللبنانيين في أعزاز، اعتذرت بعد جهد جهيد. لكنها بعد المؤتمر الصحافي للنائب عقاب صقر، استضافته من أجل زيادة عدد المشاهدين. يبدو أن المسؤولين في القناة يعرفون جيداً أن الدور الذي يؤديه صقر لا يحتاج إلى مؤتمرات ولا شروحات، فقد سبق وشهد لبنان حرباً طويلة، ولم يسبق أن طلب أحد السلاح من مقدم مساعدات إنسانية.
لا تقع المسؤولية هنا على الإعلامي، وإنّما على النهج الإعلامي برمته الذي تسلكه أي محطة تلفزيونية. ما يجري هو استهتار أو تعليم الإعلاميين على عدم التعامل بمسؤولية مع الأحداث. ومن يعمل في مهنة الإعلام والصحافة يعرف أنه ليس من الضروري أن يكون خلف كل خبر أو تحقيق، رقابة مسؤولة. ولكن من الضروري جداً أن يتعلّم كل إعلامي وصحافي كيف يكون مسؤولاًَ عن المادة التي يقدمها للمشاهد أو القارئ.
وإذا لم يكن كذلك، فسوف يتصرف حتماً بسوء تقدير للأحداث التي تحصل في العالم. عندها تتحول المهنة من عمل مسؤول عن تقديم الأحداث، إلى استعراض فيها. لكنه استعراض يختلف عن البرامج الترفيهية، حيث تزخر كل محطة.. بمـا لذّ منها وطاب.

السابق
بري اقترح حلولا لتمويل السلسلة
التالي
هل يحسمها بشار كيماوياً…؟