إرهاصات الثورة على الثورة


ربما يبدو باكراً الحديث عن متغيرات قد تجري في مصر وتنطلق منها، إلا أن ما يحصل فيها على خلفية الإعلان الدستوري الذي اذاعه الرئيس المصري محمد مرسي، وما تبعه من احتجاجات وصلت الى حد «الثورة» عليه، لا بد من التوقف عنده بعد إعلاء الشعب المصري صوته في ميدان التحرير مرة أخرى، متراجعاً عن تأييد الرئيس الذي لم يمض على انتخابه له أكثر من خمسة اشهر.
الرفض الذي اعلنه قسم كبير من الشعب المصري للإعلان وصاحبه وحزبه «الإخوان المسلمين»، ربما يكون «الثورة» على «الثورة» أو تصحيحاً لها، أو وعياً متأخرا سجله الشعب لما يمكن أن تؤول اليه الأمور في ظل حكم الإخوان الذين طال انتظارهم للسطة أكثر من 85 عاما،ً لكنهم عندما أمسكوا بها لم ينجحوا في تظهير صورة الحاكم العادل بل جنحوا فوراً الى قرارات شبهها الرافضون لها بالديكتاتورية في حين لم يقبلوا وصفها بالجديدة وصبغوها بالفرعونية القديمة.

مصادر سياسية متابعة للأوضاع في الشرق الأوسط تعتبر أن ما يجري في جمهورية مصر العربية «ثورة حقيقية»، أو ربما ارهاصات «ثورة تصحيحية» ستظهر ملامحها تباعاً إذا أصر الرئيس المصري على موقفه وإعلانه وصلاحياته، لكنها في كل الأحوال استطاعت كسر حاجز الرهبة التي تملكت غالبية الشعب المصري من غضب الإخوان إبان فترة الانتخابات الماضية، الامر الذي سيزداد مع التصريحات العالية النبرة التي تنطلق من قيادات مصرية قومية أو علمانية أو حتى قوى اسلامية، ناهيك عن عامة الناس الذين ظهروا عبر وسائل الإعلام معبّرين عن غضبهم من القرارات رافضين استمرار الرئيس في موقعه.
وتضيف المصادر أن ميدان التحرير قد عاد ساحة الحدث الرئيسية في مصر وفي المنطقة التي لم تستقر حتى الآن منذ ما يقارب السنتين تاريخ اندلاع أول حراك شعبي في تونس وصولا الى الأكثر حماوة في سورية، وذلك وسط «شبه» صمت دولي عما يجري في القاهرة بانتظار ما سيكون من أمر الرئيس المصري الذي دخل في نفق أزمة لم تكن لتخطر على بال أحد في هذه الظروف الدقيقة، لكن ما دفع بالسيد مرسي لدخوله هو ما اعتبره نصراً مؤزراً حققه من خلال الإحاطة بحرب غزة الأخيرة، وما حظي به من دعم دولي وثناء «إسرائيلي» من دون أن يحسب احد حساباً للشعب الذي ظن الجميع انه عاد الى كبوته بعد انجاز «دولته» الجديدة.
إلا أن خطوة الرئيس المصري التي استندت الى نصر في غزة، كشفت عما كانت معظم الأنظمة العربية تخاف منه، وهي حاربت جماعة الإخوان المسلمين من أجله وتحديداً في مصر وسورية اللتين حظيتا بدعم أوروبي وأميركي وعربي، لا سيما دول الخليج منها، وذلك على مدى قرون، وهو فكر تلك الجماعة، التي أثبتت في كثير من المحطات عدم قابليتها للحكم وإدارة السلطة لاسيما في المحطات الثلاث الأخيرة في تونس وليبيا ومصر.

وفي حين أن الدول الغربية التي قررت في لحظة ما مساعدة الإخوان على أن يحكموا، يبدو أنها تعيد النظر فعلياً بهذا القرار بعد سلسلة من موجات العنف التي اجتاحت غير منطقة حساسة تحت شعارات يؤمن بها الإخوان دون غيرهم من التيارات السياسية الإسلامية في المنطقة والعالم، خصوصاً في سورية، التي تعيش فوضى مسلحة شعارها الأساسي «حكم الإخوان» وما يعني ذلك لدى منظومة الدول العربية التي باتت تخشى على أوضاعها واستقرارها الداخلي، والغربية التي لم تشعر انها تستطيع الحفاظ على مصالحها وسط هزات اساسية وارتدادية متوقعة في حال تم تمكين الإخوان من الوصول الى أهدافهم في الحكم والسلطة.
ما يجري حالياً في مصر قد يفتح الباب على مصراعيه أمام صانعي السياسة في المنطقة لاسيما أصحاب المشاريع الكبرى فيها، الى تلقف الحراك الشعبي الأخير لتغيير اتجاه البوصلة التي ارسوها على الوجهة التي هي عليها الآن، بعد تلقفهم لحراك الشعوب الذي انطلق قبل سنتين، وذلك بعد الفشل في إيجاد البدائل المناسبة بحسب رأيهم، أولاً في الدول الموضوعة على لائحة الانتظار لحسم شكل أنظمتها النهائي والانتقال من الموقت الى الدائم في تونس وليبيا، وإخفاق النموذج المصري بعد قرارات مرسي، وصولا الى صمود الدولة في سورية الذي قد يصب في نهاية الأمر في صالح إعادة صوغ توجهات إقليمة ودولية جديدة تخدم الاستقرار العام في المنطقة.  

السابق
الجعفري: لم يعد هناك جامعة عربية
التالي
مواجهات بين الأمن ومتظاهرين