كيف أخطأت 14 آذار بحق جنبلاط؟

يرفض المقرّبون من النائب وليد جنبلاط تحميل قوى 14 آذار زعيمهم مسؤولية استمرار الحكومة وعدم الاستقالة منها ردّاً على اغتيال اللواء وسام الحسن، واستطراداً عودة البلاد إلى لغة الاغتيالات والتصفيات، هذه الاغتيالات التي لا يمكن فرملتها إلّا عبر وقفة وطنية تستدعي تدخلاً دولياً.
ويقول المقربون إنّ الإشارات التي أعطاها جنبلاط قبل اغتيال الحسن ليست تفصيلية، وهي وصلت إلى حدّ تحذيره من فوز 8 آذار في الانتخابات النيابية المقبلة، الأمر الذي يعني تأكيده أنّ المساكنة مع هذا الفريق داخل الحكومة كانت قسرية وما زالت، وأنه ينتظر اللحظة الانتخابية لإعادة خلط الأوراق وتصحيح الخلل. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف تلقّفَت 14 آذار هذه الإشارات وغيرها؟

وفي الإجابة يرى المقربون أن هذا الفريق تعاطى مع جنبلاط، ولو لم يجاهر بذلك، من خلفية أن رئيس الاشتراكي أخطأ بتكليف ميقاتي، وعليه أن يصحح خطأه بتنازلات عدة. وأنه بَدا، أي فريق المعارضة، كمَن يعدّ العدة للاحتفال بفوزه المرتقب في سوريا.

وبالتالي، يتصرّف من موقع المنتصر وغير العابئ في البحث عن العناصر التي تشجّع جنبلاط على المضيّ في إحداث نُقلته الوطنية، أي الوصول إلى المساحة المشتركة التي ترضي الجميع وتأخذ هواجسهم في الاعتبار. ولكن، ما حصل كان عكس ذلك تماما.

وفي هذا السياق، يعطي المقربون ثلاثة أمثلة – نماذج أدّت إلى حَشر جنبلاط لا ترييحه، وهي:

أولاً، قانون الستين: إن الإصرار على رفض هذا القانون، وصولاً إلى "تحريمه" كنسياً، لم يأخذ في الاعتبار المخاوف والتحفظات الجنبلاطية من محاصرته سياسياً في لحظة متفجرة إقليميا ومأزومة داخليا، في ظلّ التساؤل عن المستفيد من هذا التوجّه، خصوصاً أن طبيعة المعركة اليوم في لبنان ليست إصلاحية بل التحديات ما زالت سيادية بامتياز. ومن ثم فإنّ تقليص النفوذ الجنبلاطي في لحظة تمَدّد النفوذ الأصولي أو المتطرّف من الجهات كلها، لا يخدم المصلحة العليا، علماً أنّ رئيس الاشتراكي سَعى في الاستحقاق الانتخابي الأخير إلى مراعاة كل الحيثيات التمثيلية في جبل لبنان الجنوبي.

ثانياً، الدوائر الخمسون: المسألة لم تقف عند رفض قانون الستين الذي أيّده جنبلاط علناً، بل تعدّت ذلك إلى تمَسّك مسيحيي 14 آذار باقتراح الدوائر الخمسين الذي تعتبر تقسيماته أصغر من التقسيمات الحزبية للاشتراكي، وهو فضلاً عن أنه لا يراعي حجم جنبلاط ودوره، يُبَدّي أولوية التمثيل المسيحي على الفوز السياسي لـ 14 آذار، ما يجعل التحالفات الوطنية ثانوية مقابل قدرة التأثير طائفياً في الانتخابات.

وهذا لا يعني أن مطالب المسيحيين بقانون انتخابي تمثيلي هي غير محقّة، إلّا انّ كل الممارسة السياسية معلقة ومجمّدة حالياً للظروف الاستثنائية المعلومة.

ثالثاً، لقاء الملك: على رغم التقاطع والتطابق في المواقف والرؤية من الأزمة السورية، وعلى رغم محاولاته ومساعيه لفتح صفحة جديدة في العلاقة بينه وبين المملكة، إلّا أن الأمور بقيت على حالها ولم يظهر أنّ في الأفق ما يؤشّر إلى إمكانية عودة العلاقة إلى سابق عهدها.

وسأل المقربون: ما الدوافع التي تشجّع جنبلاط على الدخول في اشتباك مع "حزب الله" عبر الخروج من الحكومة؟ والجواب لا شيء، فلا مراعاة بقانون الانتخاب ولا بفتح قنوات التواصل الجدية مع السعودية ولا بوضع رؤية لِما بعد سقوط النظام السوري…

وأضافوا: إنّ لحظة انتفاضة الاستقلال لم تولَد مِن عَدَم، إنما سبقها مسار طويل بدأ عشيّة انتخابات العام 2000 وتطوّر تدريجيا وصولاً إلى انتفاضة الاستقلال التي ساهم الجميع في الوصول إليها. وبالتالي، فإنّ الانتقال من مرحلة إلى أخرى لا يتمّ باتصال، على رغم انفتاحنا على الجميع وحرصنا على إبقاء التواصل قائماً، بل بمسار سياسي تكون فيه كل الأطراف شريكة، وتأخذ هواجس بعضها البعض في الاعتبار.

وختم المقربون: إنّ ما تقدّم لا يعني في المقابل القفز فوق المعطيات الخارجية والداخلية التي تجعل المواجهة غير متكافئة، إن في ظل الانشغال العالمي بالأزمة السورية أو لناحية رَجحان كفّة الميزان الداخلي لمصلحة "حزب الله"، ما يتطلّب قراءة هادئة تُوازِن بين كيفية التصدي لعودة الاغتيالات وبين الأخذ في الاعتبار ظروف المرحلة ومقتضياتها.

السابق
مصادر أمنية: اختيار الأسير منطقة التعمير ليقوم بعرض قوة لم يكن اختياراً بريئاً
التالي
مهمة أوباما تأمين انحدار أميركي سلس